سوريا: النشاط الإقتصادي بحسب خريطة الحرب

جهاد اليازجي
الخميس   2015/07/02
الحكومة السورية ما زالت أكبر مشغّل وأكبر منفق في سوريا (ا ف ب)


يتوقع ان يستمر الناتج المحلي الاجمالي في سوريا بالتراجع هذا العام وفي العام المقبل، ولكن بمعدلات أقل من السنوات الماضية.
ووفقاً لتقريرها السنوي المسمى مسح التطورات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية، تقول اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة غرب آسيا (اسكوا) وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تتخذ من بيروت مقراً لها، أن الناتج المحلي الاجمالي في سوريا سينخفض في عام 2015 بنسبة 7.0% وبنسبة 5.0% عام 2016 .
وفي حين يبدو جليا الافق السلبي لهذا الامر، فان معدل التراجع في العامين المقبلين سيكون أقل مما كان عليه في السنوات الثلاث الماضية. فمن عام 2012 الى عام 2014 انكمش الناتج المحلي الاجمالي ب 30.9%، 36.5% و10.5% على التوالي. ويرجع أحد اسباب توقع انخفاض نسبة تراجع الناتج الاجمالي المحلي GDP في السنتين المقبلتين، مقارنة بالسنوات السابقة الى حقيقة أن الاقتصاد السوري تقلص الى مستويات منخفضة لدرجة أصبح من الصعب عليه ان يتراجع بشكل أكبر.
ومن خلال هذه الصورة القاتمة نتساءل: ما هي قطاعات الاقتصاد السوري التي يرجح استمرار تراجعها وما هي تلك التي يمكن ان تأتي بأخبار إيجابية؟ وما هي المناطق الجغرافية التي ستعاني أكثر وأيها سيتدبر أمره بشكل أفضل؟


من منظور القطاعات الاقتصادية فإنّه من المرجح أن تكون معاناة قطاعات النفط والغاز والفوسفات كبيرة خلال السنتين المقبلتين. وفي حين يعتبر إنتاج النفط حالياً منخفضاً بصورة تلقائية، فإنّ انتاج الغاز يقع في خطر التراجع في المستقبل القريب بسبب اندلاع معارك عنيفة في كامل مناطق تواجد معظم حقول إنتاجه. وينطبق الأمر نفسه على إنتاج الفوسفات، الذي كان يشكّل حتى الآونة الاخيرة بعضاً من مصادر الحكومة السورية النادرة للحصول على العملة الاجنبية، حيث سقط مؤخراً بأيدي "داعش" أهم حقول انتاج الفوسفات في سوريا.
وبالنسبة للزراعة، فهي قطاع آخر يمكن اعتبار آفاقه مقلقة، حيث تقع غالبية الاراضي الزراعية في مناطق قتال شرس بين النظام والمعارضة، او بين الاكراد و"داعش". ففي حين ساهم مستوى هطول الامطار الجيد هذا العام في الحد من الضرر اللاحق بهذا القطاع، فان القتال المستمر يخلق تحديات جمة في مجال انتاج وتوزيع ونقل المنتجات الزراعية. اما التجارة، والتي تمثل جزءاً مهماً من الناتج المحلي، فتبدو آفاقها غير واضحة بالرغم من أنّ القطاع يستمر في المعاناة نتيجة الإنخفاض الشديد في القدرات الشرائية للسكان، ونتيجة الانقسام الجغرافي للبلاد الذي يعرقل نقل وتوزيع البضائع.

ومن القطاعات التي يمكن أن تشهد تحسناً أيضاً، يندرج قطاع الصناعات التحويلية، ففي العام الماضي شهدت المعامل الواقعة في مناطق آمنة نسبياً كالمنطقة الساحلية، أو المنطقة الصناعية في عدرا تحسناً نسبياً في أدائها. ويمكن لهذا القطاع أن يستمر بالاستفادة من تدني مستوى تنافسية المواد المستوردة بسبب انخفاض قيمة العملة السورية، اضافة الى انخفاض الانتاج الى درجة حصول نقص في تزويد المواد، الامر الذي يمكن ان يخلق طلباً على المنتجات المصنعة محلياً.
اما من منظور المناطق الجغرافية فان غالبية الانشطة الاقتصادية تتم في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام، ومن المرجح أن تبقى كذلك في الزمن القريب. ويعود هذا الواقع الى اسباب خمسة:
1- المناطق الغربية من سوريا تضم غالبية المنشآت الإنتاجية ومعظم المؤسسات الاقتصادية الكبيرة.
2- المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة كانت هي المناطق التي تعرضت لمعظم عمليات التدمير بسبب الهجمات التي شنها النظام بشكل رئيسي.
3- مناطق سيطرة النظام ما زالت تنعم بمستويات استقرار ولو كانت بالحدود الدنيا.
4- استمرار الحكومة باحتلال مركز أكبر مشغّل وأكبر منفق في سوريا، ومناطق سيطرة النظام هي الأكثر استفادة من تلك النفقات.
5- وأخيرا، فان المنظمات التي تقدم المساعدات الانسانية -والتي أصبحت مصدرا مهماً بالنسبة لدخل السكان، ومصدراً مهما أيضاً للطلب بالنسبة للاقتصاد- تتخذ في غالب الأحيان، من مناطق سيطرة النظام مقرات لها حيث تجري عمليات إنفاق الاموال.

من الواضح أنه أياً كان مستقبل الحرب في سوريا، فمستوى النشاط الاقتصادي سيختلف أيضا على طول خطوط الانقسام الجغرافي والسياسي للبلاد.