أهالي الطفيل: عودتنا في عهدة الدولة و"حزب الله"

لوسي بارسخيان
السبت   2015/06/06
هجّر أهالي الطفيل من بلدتهم ولم يبق منهم فيها سوى 11 عائلة (لوسي بارسخيان)


عزلت معارك القلمون الاخيرة اهالي بلدة الطفيل اللبنانية، كلياً عن بيوتهم. حتى الطرقات الجبلية الوعرة لم تعد آمنة ليصلوا إلى ارزاقهم التي خلفوها وراءهم اثر اشتعال المعارك بين النظام ومعارضيه في المنطقة. انزوت أكثر من 200 عائلة وراء الحدود اللبنانية بإنتظار التطورات التي ستحملها معارك الجرود المستمرة في القلمون، وسط عجز عن انتزاع رعاية الدولة وحمايتها ولو بتأمين طريق آمن الى بلدتهم.


هجّر اهالي الطفيل، ولم يبق منهم سوى 11 عائلة لا تزال تسكن في البلدة، هي ليست مواجهة من هؤلاء لما يحكى عن محاولات تغيير الخريطة الديمغرافية في المنطقة، ولكنّ معظمهم لا يملك ملاذاً آخر داخل الاراضي اللبنانية او السورية، فيما كثيرون لا يزالون يحتفظون بملكيتهم على مضض، طالما هي مرهونة الى البنك المركزي منذ عهد الآغوات الذين اورثوها لخلفائهم. وعليه يجزم مختار الطفيل علي الشوم ان "لا محاولات لشراء او بيع الاراضي في الطفيل خلال المرحلة الاخيرة، كما تشيع بعض وسائل التواصل الاجتماعي والصحف. فحتى لو رغب الاهالي ببيعها، فلمن يبيعونها وكيف، اذا كانت كل اراضي الطفيل ملكية للآغوات وقد منحت لعائلات قليلة قامت برهنها الى "بنك ميدكو"؟ وعندما افلس "ميدكو" وضع البنك المركزي اليد عليه، مستحصلا على السجلات العقارية للطفيل التي اصبحت مرهونة بالتالي للبنك المركزي". ويشرح الشوم لـ "المدن" ان "لا مالكين لاراضي في الطفيل، بل يطلق على اهلها اسم مزارعي الطفيل، بإنتظار التسوية التي وعدوا بها منذ عقود طويلة مع البنك المركزي، والتي قضت بأن يعطى كل من الفلاحين مكان بيته ونحو ثلاثة الى خمسة دونمات ارض بعد تحديد سعر التصفية مع مصرف لبنان". ويتابع الشوم "نسمع كلاما كثيرا ان الطفيل بيعت. لمن ستباع الطفيل؟ ومن سيبيعها إذا كان لا وجود لسلطة قضائية في البلدة، فيما اعلى سلطة مدنية هي المختار، وانا لم اوقع على اي عقد بيع، فمن سيقدر على بيع هذه الأراضي؟"، شارحا ان"البيع لا يكون الا من خلال مستثمر كبير يقوم بفك رهن الأراضي من البنك المركزي، وحينها تتم تسوية الامر مع الفلاحين، وربما يشتري من الفلاحين بيوتهم. اما حاليا فلا البنك المركزي ولا الدولة ولا اي تاجر يمكنه ان يخرج اهل الطفيل من بيوتهم".


ولكن لدى اهالي الطفيل مع ذلك خوف من ان تكون الظروف قد فرضت عليهم هجرة دائمة عن بلدتهم. فالوصول اليها عبر الأراضي السورية بات محفوفا بخطر كبير كما يؤكدون، ويشيرون الى ان "الانتقال بين الطفيل وعسال الورد وحوش عرب المجاورتين محفوف بالخطر أيضاً"، فيما الإنتقال الى الطفيل عبر الأراضي اللبنانية لا يزال ينتظر، أولا وعود الدولة "العرقوبية" بشق طريقها من جرود نحلة وبريتال، ومن ثم الضمانات التي على "حزب الله" ان يقدمها كما يقول المختار الشوم، لضمان سلامة انتقال اهالي البلدة إليها.
لم "تغنم" الطفيل طريقاً من داخل الأراضي اللبنانية لا في ايام الوجود السوري ولا بعده، ويبدو أن ما لم تربحه في ايام السلم اصبح صعباً جداً في أيام الحرب الدائرة في سوريا. ويشرح الشوم "انه في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، تم تلزيم انشاء الطريق لأحد المتعهدين، ولكن وقع خلاف على تكاليف المشروع مع رئيس جهاز الامن والاستطلاع السوري غازي كنعان، وبقيت الطفيل من دون طريق. تفاءل الاهالي كثيرا عندما وضع الامر على جدول اعمال الحكومة السابقة وأقر مشروع قانون يتخذ صفة تلزم كل حكومة تأتي على وضعه على جدول اولوياتها، بعد ان حددت كلفة انشاء الطريق بمبلغ 24 مليون دولار تتضمن استحداث شبكة للهاتف وللكهرباء، فشعر الأهالي ان تعرُّف الدولة على البلدة وإحتضانها، بات قريبا، حتى انهم سموا الطريق، التي كان يفترض أن تتم المباشرة بالعمل بها سريعا، طريق العريضي نسبة الى وزير الاشغال العامة والنقل السابق غازي العريضي. انفرط عقد الحكومة وتشكلت حكومة جديدة، ليصبح المشروع سراباً من جديد، بعدما هوجم قبل المباشرة به من قبل بعض وسائل الاعلام التي اشتمّت فيه صفقات فساد. لتأتي الأحداث الأخيرة وحالة الاستنفار العسكري التي فرضتها معارك "حزب الله" مع المقاتلين السوريين في الجرود على كل أحلام إنشاء الطريق.


هذا الامر يعتبره الشوم اساءة مستمرة لأهالي الطفيل، "الذين يجرؤ البعض على التسول على ظهرهم، للمطالبة بصناديق اعانة غذائية لهم، فيما الذبائح التي اقمناها على شرف الدولة عندما لاح أثرها في البلدة في بداية الأزمة السورية كانت أثمن من الكراتين التي حملوها للأهالي معهم".
"لا يريد اهالي الطفيل صدقة" كما يؤكد الشوم، "بل يريدون حقهم" الذين يضعونه في عهدة الدولة وسلطة الامر الواقع التي يمثلها "حزب الله" في الجرود، ليعودوا الى بيوتهم والأرزاق التي خلفوها في البلدة. والى ذلك الحين يبقى تعويلهم على عائلات جمال دقو، منصور مسعود شاهين، احمد محمد عمر، نعيم مسعود دقو، جميل محمد دقو، محمد امين عثمان، علاء محمد عثمان، مسعود اسعد شاهين، احمد مسعود شاهين، صالح خليل الآغا، فؤاد اسعد دقو، لعلّ صمودهم في البلدة يبقي مطالبتهم بوجود الدولة اللبنانية في الطفيل قضية حية.