الصيدلة السريرية.. "نزاع بارد" بين "لجنة الصحة" والمستشفيات

عزة الحاج حسن
الجمعة   2015/05/29
هارون: نوافق على وجود صيدلة سريرية في المستشفيات في حال تم اعتمادها بناء على عدد الأسرة (محمود الطويل)


بدأ مفهوم الصيدلة السريرية بالتسلّل تدريجياً الى الثقافة الصحية في لبنان، بعد تأخر دام ثلاثين عاماً منذ بدء اعتماده في الدول الأنجلوسكسونية (anglo-saxons)، وباعتماد هذا المفهوم سيدخل الصيادلة الى العمل الاستشفائي الى جانب الأطباء، مواكبين ومساندين لهم في العمل العلاجي.
ولاعتماد مشروع الصيدلة السريرية أصول ومعايير وشروط، على الصيادلة والأطباء والمستشفيات والكادر الطبي باكمله التقيّد بها، لذلك بدأت لجنة الصحة النيابية بدراسة مشروع في هذا الشأن لكنّها لم تتمكّن من إقراره منذ العام 2012 وحتى تاريخه، لأنّه وكغيره من المشاريع المُستحدثة في لبنان يتعرّض مشروع الصيدلة السريرية الى ضغوط واعتراضات من قبل المعنيين بتطبيقه، لاسيما المستشفيات، فما هي الصيدلة السريرية ولماذا تعترض المستشفيات على اعتمادها؟


بمفهومها العام الصيدلة السريرية هي فرع من العلوم الصيدلانية التي يمكن ممارستها في المستشفيات والمؤسسات الصحية كما في الصيدليات الخاصة، والتي يوفّر من خلالها الصيادلة السريريون ضمان الإستخدام الأمثل للدواء أي اختيار الأدوية الأكثر تناسباً مع حالة المريض الفردية ومراقبة كيفية استخدامها. كما يؤمن الصيادلة السريريون الرعاية الضرورية للمريض التي تؤمن أفضل علاج دوائي له وتساهم في الحدّ وتجنّب الآثار الجانبية والأخطاء لهذا العلاج، وكل ذلك يساهم في رفع مستوى سلامة استخدام الدواء، وضمان الإستخدام الأمثل للدواء، كما يساعد في بعض الاحيان على خفض الإنفاق على العلاج الدوائي.
وبالمفهوم الخاص فإن وجود صيدلي سريري الى جانب الطبيب في المستشفى من شأنه توفير الوقت لمراجعة مواقع متخصصة في الإنترنت، ومجلدات الأدوية وأحياناً إجراء مكالمات هاتفية مع صيادلة للإستفسار عن خصائص بعض الأدوية. وبالنسبة الى تطبيق مفهوم الصيدلة السريرية في القطاع الصحي اللبناني، فذلك يحتّم على المستشفيات والمراكز الطبية توفير صيدلي سريري في كل قسم من الأقسام فيها، يرافق المريض عند تلقّيه العلاج، ويمكن أن يتابع معه العلاجات الدوائية التي يخضع لها لتقييم العلاج الدوائي وتحديد المشكلات المتّصلة به، وكل ذلك بهدف متابعة وضع العلاج الدوائي الأمثل للمريض والذي يكفل تحقيق الغاية المرجوّة منه.


كل تلك التفاصيل التنظيمية لم تلقَ أي تعليق من المستشفيات غير أن رفض مشروع الصيدلة السريرية كان سيد الموقف بالنسبة الى "نقابة المستشفيات الخاصة" التي علّل موقفها رئيسها سليمان هارون في حديث الى "المدن" بعدم الحاجة الى صيدلي سريري لكل قسم من أقسام المستشفى. فحاجة الأقسام الإستشفائية الى صيادلة سريريين، والتي أولتها لجنة الصحة النيابية اهتمامها، لم يرَ فيها هارون أي ضرورة إذ "يكفي صيدلي سريري واحد لكل مستشفى الى جانب الصيدلي المعني بشؤون صيدلية المستشفى"، لاسيما إذا كانت أسرّة المستشفى لا تتعدى المئة سرير.
وإذ يحسم هارون موقف المستشفيات الرافض للمشروع بالقول إن "هذا القانون لن يسير كما هو في صيغته الحالية (أي صيدلي سريري لكل قسم)، ولن نوافق على تنفيذه مطلقاً"، يضيف مستدركاً: "نوافق على وجود صيدلة سريرية في المستشفيات في حال تم اعتمادها بناء على عدد الأسرة في المستشفى ككل، وليس على أساس تخصيص صيدلي سريري لكل قسم على حدة".


وانطلاقاً من التناقض في المواقف من اعتماد الصيدلة السريرية لا بدّ من السؤال: هل يمكن لصيدلي سريري واحد أن يتابع علاجاً دوائياً لمئة مريض؟ جواب لجنة الصحة يمكن استنتاجه من إصرارها على إيجاد صيدلي لكل قسم على حدة، أما هارون فيعتقد أن صيدلياً سريرياً واحداً كافٍ لمئة سرير "لأن الأسرة لا يمكن أن تكون مشغوله بأكملها دفعة واحدة".
موقف هارون هذا يدفع الى إعادة النظر بمواقف المستشفيات من قضايا عديدة، لاسيما عندما تتوقف عن استقبال مرضى وزارة الصحة أو المؤسسات الضامنة بحجة أن لا أماكن شاغرة لديها، كذلك "استعطاؤها" الدائم بحجة الضغط الذي تتعرّض له من كثافة المرضى النازحين... فإذا اعتبرنا هذا الواقع حقيقة قائمة، يصبح موقف المستشفيات استهتاراً بصحة المريض بهدف التهرّب من بعض الأعباء المالية التي يرتّبها تأمين صيادلة سريريين.