سوريا: وزارة التنمية الإدارية.. النظام لا يملّ "الإصلاح"!

سلام السعدي
الأربعاء   2014/09/17
النظام السوري يعالج الحرب التي أشعلها بإبتداع وزارات جديدة بإسم الإصلاحات (ا ف ب)


لا يكاد يخلو خطاب للرئيس السوري بشار الأسد، منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية قبل نحو 15 عاماً، من وعود وخطط ورؤى تتعلق بـ"الإصلاح الإداري" في سوريا. وحتى مع اندلاع الثورة، بما هي أزمة سياسية بالمقام الأول، شخصت خطابات الأسد "الأزمة" بأمرين اثنين: المؤامرة العالمية الشهيرة على النظام الممانع، وحاجة البلاد لإصلاحات إدارية واقتصادية.


اليوم، وبعد مرور نحو أربع سنوات على اندلاع الثورة، يواصل الأسد إهمال عملية الإصلاح السياسي في مقابل اندفاع محموم لإصدار القرارات والمراسيم الشكلية إلى حد كبير، والتي تنظم عملية "الإصلاح الإداري والإقتصادي". وقد كان آخر تلك القرارات إستحداث "وزارة التنمية الإدارية" عند تشكيل الحكومة الجديدة قبل أقل من شهر، ليعقب ذلك قبل يومين إصدار المرسوم الرئاسي رقم 281 للعام 2014 والمتعلق بتحديد أهداف ومهام الوزارة الجديدة.
وقد شرح المرسوم مهام الوزارة الجديدة، فكرر كل ما كان يرد على لسان الأسد في خطاباته "التوجيهية" لحكوماته المتعاقبة من "وضع إستراتيجية متكاملة للتنمية والتطوير الإداري"
و"تأهيل وتطوير الكوادر البشرية" و"تطوير خدمات المواطن" و"تحديث القوانين، واقتراح التعديلات التشريعية والإجرائية".


وبعيداً من الخطابات الفارغة، يمكن أن نسجل للنظام السوري بعض الخطوات العملية التي قام بها في سياق الإصلاح الإداري. ويعود ذلك إلى العام 2002، حين أعلنت الحكومة السورية أن أكبر العقبات التي تعترض الإصلاح الإقتصادي والسياسي في سوريا إنما تتمثل في "الإصلاح الإداري"، وعليه بات هذا الأخير أولوية الأولويات. حينها، سخر الباحث الاقتصادي البارز عارف دليلة من هذا الخطاب الهزلي الذي "يضع العربة أمام الحصان" فما كان من النظام إلا أن أودعه السجن لعقد من الزمن، وراح بعد ذلك يستقبل خبراء عرباً ودوليين متخصصين في الإصلاح!
أول دولة تعاون معها النظام في هذا السياق، كانت فرنسا. إذ وصل خبراء فرنسيون إلى سوريا وقدموا دراسات بخصوص الإصلاحات الإدارية المطلوبة. وقامت الحكومة بالفعل بتوسيع برامج التدريب الخاصة بالوظائف العليا ووظائف الإدارتين الوسطى والتنفيذية، ووفرت الموارد المالية اللازمة لهذا الغرض. كما عملت على توسيع علاقاتها مع مؤسسات التدريب في دول عربية وأجنبية، ومنها دول خليجية كالكويت، حيث بات "المعهد العربي للتخطيط" أحدى أهم الوجهات التي يقصدها الموظفون السوريون للتدريب.


صرفت أموال طائلة على تلك المشاريع خلال سنوات عديدة، وماذا كانت النتيجة؟. "لا شيء"، يقول عامر(45 عاماً)، وهو موظف في إحدى الهيئات الحكومية السورية التي استفادت بصورة مكثفة من برامج التدريب. يشرح عامر لـ "المدن" كيف "ينخر الفساد والمحسوبية جسد الحكومة ومؤسساتها. وكان ذلك هو الأساس في تحديد من يستفيد من برامج التدريب، حيث استفاد منها الأشخاص المقربون من الأجهزة الأمنية وحزب البعث بصرف النظر عن كفاءاتهم". هكذا اقتصر التدريب على الأشخاص الذين يشكلون عقبة رئيسية في وجه نهوض مؤسساتهم، "معظمهم معروفون بالفساد وتلقي الرشى ويفتقدون للمهارة والرغبة في تحسين الأداء الوظيفي".
ويؤكد عامر أن البرامج التدريبية التي كانت تقدم للمتدربين، "ليست ذات قيمة حقيقية، فهي برامج قصيرة لا تزيد عن أسبوع". وقد عارض المدراء أي جهود لإقامة برامج تدريب طويلة الأمد داخل سوريا، إذ "تتعارض مع مصالحهم، فهم يسافرون إلى بلدان عربية أو أوروبية بدافع السياحة واستلام بدل نقدي للسفر، لا بدافع التدريب!".

في حقيقة الأمر، وعلى مدار سنوات حكم الأسد، شكلت قضية "الإصلاح الإداري" ستاراً من الدخان الكثيف حجب عن السوريين الحاجة الملحة للإصلاح السياسي. ويحاول أن يحجب اليوم الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم والذي لا يمكن الفكاك منه بإحداث "وزارة للتنمية الإدارية". لا بد للعربة أن توضع خلف الحصان!