العودة إلى المدرسة:عائلات على وشك الإفلاس

هيثم الطبش
الأربعاء   2014/09/17
المستلزمات المدرسية أنهكت أرباب الأسر، الى جانب الأقساط المرتفعة (ريشار سمور)

أما وقد انتصف أيلول، فإن الأسر اللبنانية بدأت تستشعر حراجة الموقف. إنه موسم العودة إلى المدارس بكل ما يعنيه ذلك من مصاريف ونفقات لا تنتهي إلا بعدما يدق الإفلاس جيوب الناس.

أحد أرباب الأسر، اصطحب أولاده الثلاثة إلى إحدى المدارس الخاصة في اليوم الذي حددته إدارتها لتسديد الرسوم وشراء الزي المدرسي وأخذ لائحة الكتب، وسوى ذلك من خطوات تمهيداً لإنطلاق السنة الدراسية بعد أسبوع. يقول: "خرجت من منزلي وفي جيبي ثلاثة آلاف دولار وظننت أن المبلغ سيكفي خصوصاً أني متفق مع إدارة المدرسة على التقسيط الشهري للقسط ما يعفيني من حمل ثقيل كل ثلاثة أشهر". ويضيف: "إلا أن إجمالي القسط المدرسي والنقليات والقرطاسية لثلاثة أولاد بلغ 5.65 مليون ليرة دفعت نصفها ليبقى مبلغ 2.8 مليون ليرة رصيد الحساب، واشتريت لهم الزي المدرسي بـ725 ألف ليرة". يتابع الرجل بحسرة: "خرجت من المدرسة متوجهاً إلى المكتبة، وهناك وصلت الفاتورة إلى 820 ألف ليرة لحقتها 150 ألفاً ثمن حذاءين لولدين". بحسبة بسيطة يكون الرجل قد دفع 4.495 مليون ليرة وحمل دينا قيمته 2.850 مليون ليرة.


هذا النموذج ليس محصوراً برب الأسرة هذا، بل يمكن تعميمه على معظم اللبنانيين الذين يسجلون أولادهم في المدارس الخاصة، التي وإن لم تدرج بعضها زيادات على الأقساط في هذه الفترة من السنة، إلا أنها لا تستبعد هذا الخيار في وقت لاحق، خصوصاً إذا ما أقرت سلسلة الرتب والرواتب، أو ما يلحق بالمعلمين من مفعول رجعي للدرجات الـ4.5 التي أقرت لهم العام الماضي.
الى جانب أعباء الكتب والمستلزمات المدرسية، تؤكد المدارس الكاثوليكية - على سبيل المثال لا الحصر - أنها قد تضطر إلى رفع الأقساط بنسبة بسيطة، وهي التي خصصت 16 مليار ليرة دعماً لأبناء المعلمين و20 ملياراً أخرى للمساعدات المدرسية عموماً من ضمن موزانتها لهذه السنة. وإذا كانت هذه حال المدارس الكاثوليكية فإن المؤكد أن المدارس الخاصة الأخرى سترفع الأقساط بنسب متفاوتة ما سيثقل كاهل أولياء الأمور بأعباء مالية إضافية في ظل الوضع العام المتردي. لكن، في البلد مدارس لا تتأخر عن زيادة أقساطها، الخيالية أساساً، بنسب كبيرة فتحصر جمهورها بطبقة اجتماعية محددة.


قد لا يبدو هذا الكلام جديداً، بل ربما يكون مكرراً في بداية كل سنة دراسية إلا أن استمرار تراجع الأوضاع الاقتصادية والزيادة المتواصلة في الأسعار وفي الأعباء الحياتية اليومية باتت ترهق كاهل المواطن وتجعله غير قادر على تحمل زيادات إضافية في أي من مناحي الحياة عموماً، ولاسيما في ظل تعاظم نسب إغلاق الشركات وصرف الموظفين اللبنانيين لصالح النازحين السوريين. وهذا يفتح باباً للنقاش أيضاً حول الضغط الكثيف الذي يولده التلامذة السوريون على المدارس اللبنانية وتحديداً الرسمية منها.

هذا التطور دفع بوزير التربية الياس بو صعب إلى توجيه نداءٍ أخير إلى أهالي التلاميذ اللبنانيين للإسراع في تسجيل أبنائهم في المدارس الرسمية والحفاظ على مقاعد أولادهم في المدارس الرسمية قبل أن تفتح الباب أمام تسجيل التلاميذ غير اللبنانيين.
وسط ارتفاع كلفة التعليم الخاص وتردي أوضاع المدرسة الرسمية، وابتعاد اللبنانيين عنها لأسباب كثيرة في مقابل زحف التلاميذ السوريين عليها، ومطالب المعلمين التي لا تنتهي، يبدو مصير التربية والتعليم في لبنان على المحك أيضاً، ليُضاف إلى سلسلة القطاعات المتعثرة في بلد أنهكه سياسيوه اللاهثون إلى تمديد ولايتهم النيابية والمترشحون إلى انتخابات جديدة. لهؤلاء حق تعليم أبنائهم في مدارس مخصصة لهم، أما الفقير في لبنان فليس له أن يبحث عن تعليم أو استشفاء، وللطبقة الوسطى أن تواجه الإفلاس مع كل موسم دراسي.