عرسال: كأنّ نزوحاً واحداً لا يكفي

حسين سلطان
الثلاثاء   2014/08/05
النازحون يقعون بين نار المسلحين ونار كلفة النزوح (احمد شلحة)

 منذ اللحظة الاولى لأحداث عرسال وانتشار المسلحين على الطرق ساور  القلق سكان البلدة، وازداد عندما اندلعت المعارك. ما دفع بعشرات العائلات العرسالية إلى النزوح من البلدة خوفاً من المواجهات التي قد لا تفرق بين مدني ومسلح.
ومع تفاقم الأوضاع ازداد عدد العائلات النازحة، وتلك التي تنتظر هدنة للنزوح. وقد ازدادت الامور سوءاً بعد القصف الذي طال أحد مخيمات اللاجئين السوريين والذي احترق بالكامل، وهرب ساكنوه إلى منازل الأهالي والمدارس والمساجد القريبة، ما شكل دافعاً لسكان المخيمات الأخرى لتحضير خطوات استباقية منعاً لمواجهة مصير مماثل.


ومع اشتداد المعارك، وتراجع احتمالات الحل السريع للأزمة بات الخيار الأوحد النزوح. ومن عزم على الخروج من عرسال، أمضى ليل الأحد الإثنين في توضيب الأمتعة بانتظار الفجر، ومع الفجر نزح آلاف المدنيين في أقل من أربع ساعات، ما أدى إلى زحمة سير خانقة من عرسال حتى تخوم مدينة بعلبك. وأولى نتائج النزوح، بدأت تظهر على الأهالي لجهة الخوف على من بقي من العائلة في عرسال وعلى الممتلكات، ولجهة عدم إيجاد منازل تأويهم.


ضحية الغلاء


حسن (اسم مستعار)، ليس سوى صورة عن الواقع، إذ نزح من عرسال مع زوجته وأطفاله الثلاثة وأخويه الصغيرين ووالدته واثنتين من عماته، وبقي والده وشقيقان له في البلدة "خوفاً من عمليات النهب والسرقة"، كما يقول، مضيفاً: "نقلت عائلتي إلى منزل أحد الأقارب في بيروت ثم أمضيت بقية النهار أبحث عن منزل للإيجار في المدينة، ولم أجد منزلاً واحداً  يقل إيجاره عن الـ1000 دولار ومن دون أي اثاث". فكان الخيار الإتجاه نحو بحمدون، وإيجاد منزل "بسعر أقل، ويوجد فيه بعض أثاث يكفي للنوم والراحة".
ولم يستطع محمد (اسم مستعار) دفع إيجار أي شقة لسوء وضعه المادي، فنقل والدته وأخوته إلى منزل أخيه في بئر حسن "الذي أصبح يسكنه 10 أشخاص يتقاسمون غرفتين". وكذلك كان حال آلاف النازحين العراسلة إلى بيروت والبقاع الأوسط وإقليم الخروب، وهي الأماكن التي توجهت إليها غالبية أهالي عرسال. والجدير ذكره، أنه لم تسجل حتى الآن حالات لأشخاص لم يجدوا منزلاً يأويهم، نظراً للتعاطف الذي لقيه النازحون هؤلاء من سكان المناطق التي لجأوا إليها، وخصوصا في البقاع الأوسط ومدينة قب الياس ومنطقة بعلبك الهرمل نظراً لعلاقات الصداقة أو المصاهرة التي تجمع بينهم.


بين نارين


لكن حال أهل عرسال يختلف كثيراً عن حال النازحين السوريين الذين كانوا في عرسال، اذ أن هؤلاء شُدد عليهم الحصار، وباتوا يعانون أزمة معيشية وإنسانية أشد من أزمة نزوحهم من سوريا إلى لبنان. فإلى جانب العديد ممن منعوا من مغادرة عرسال، تمكن بعض السوريين من المغادرة، لكن إلى اللامكان، خصوصاً بعد إحتراق المخيمات. وبالتالي بات هؤلاء على جوانب الطرق وفي العراء بإنتظار المجهول، فيما فضّل عدد منهم الهروب بإتجاه المناطق الجردية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ "اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان" أعلن عن عدم تمكنه من تقديم المساعدة للاجئين في عرسال بسبب القصف، وطالب بهدنة إنسانية فورية لإجلاء الجرحى والجثث من مخيماته التي احترقت أو دمرت، حيث احترقت أربعة مخيمات وتعرضت ثلاثة أخرى للقصف المدفعي".
وحتى هذه اللحظة، ما زال الآلاف من أهالي عرسال محاصرين في البلدة ولم يستطيعوا الخروج منها، وبعضهم اتخذ قرارا بعدم الخروج متمسكا بآخر أمل للحل، وسط تفاقم أزمة شح المياه والانقطاع شبه التام للكهرباء منذ اليوم الأول للأزمة، وكذلك في ظل إقفال أبواب المحال وانعدام الحركة التجارية. وسواء صح قرار البقاء أو المغادرة، إلا أنّ أبعاد الأزمة، اقتصاديا، ستتفاقم يوما يعد يوم، فالنازحون غير قاردين على الصمود لفترة طويلة بلا عمل وسط الأجور المرتفعة، والذين صمدوا في البلدة لن يتمكنوا من تحمل عبء تأمين حاجاتهم الأساسية، أو التعامل بسهولة مع أي طارىء.


ويقول سامي الحجيري الموجود في عرسال أنّ الوضع الإنساني في البلدة بات يشكل بركاناً خطيراً قد ينفجر في أي لحظة، "فإذا لم تحل المشكلة بالسرعة القصوى فإننا في طريقنا  إلى كارثة إنسانية خصوصا مع وجود الرضع والاطفال والعجزة الذين يحتاجون لرعاية صحية عاجلة".
ويؤكد أن البلدة تعيش بلا كهرباء منذ اللحظات الأولى لاندلاع المعارك، وأنّ المياه بدأت بالنفاد، كما أنّ هناك صعوبة كبيرة في تأمين الخبز، والمواطنون يقفون لساعات أمام الأفران. واشار إلى أنّ المؤسسات التجارية أقفلت اليوم أبوابها  بعدما قتل المسلحون، أمس، صاحب محل وولديه أثناء محاولتهم منعهم من سرقته.

بدوره، أشار محمد عزالدين إلى أن في البلدة الآن أكثر من  35000  ألف عرسالي ونحو 120 ألف لاجئ سوري، وجميعهم  يعيشون حالة انسانية وطبية صعبة للغاية في ظل بدء نفاذ الأدوية والتجهيزات  في المستشفى الوحيدة في عرسال، مضيفاً أنّ البلدة بحاجة  إلى المازوت والأدوية والطحين والمواد الغذائية والكهرباء والماء.