التنمية البشرية: كارثة تهدد مستقبل السوريين

مروان أبو خالد
الثلاثاء   2014/07/29
"الأونروا": أعداد الأطفال السوريين المتسربين من التعليم بحدود 2.4 مليونا

 

جاء صدور تقرير التنمية البشرية عن الأمم المتحدة للعام 2014 قبل أيام، ليكشف بالفعل عن الوضع الكارثي الذي يواجهه المجتمع السوري بعد أن دفعت الحرب، التي أشعلها النظام، وانتشار التطرف إلى خسائر هائلة في رأس مال سوريا البشري، ما سيلقي بظلاله ليس على حاضر السوريين فحسب، بل على مستقبلهم أيضاً.

 

فقد احتلت سوريا في التقرير المركز 118 عالمياً من أصل 187 دولة مشاركة، فيما حلت قطر بالمرتبة الأولى عربياً وبالمركز 31 عالمياً، ولبنان في المركز 65 عالمياً. تراجع سوريا بالترتيب ليس بالأمر الجديد فبعد أن كانت في المركز 107 عالمياً عام 2009، أصبحت بالمركز 111 عام 2010، وصولاً إلى المركز 116 عام 2012. في دلالة واضحة على تراجع التنمية بفعل الحرب وتعميق السياسات النيوليبرالية المافيوية المنتهجة منذ أكثر من عقد من الزمن.

 

ثلاثة عناصر

 

يتكون مؤشر التنمية البشرية من ثلاثة عناصر تعتبر مقياساً لمستوى تطور المجتمعات ورفاهها، وهي: التعليم- الخدمات الصحية- دخل الفرد.

فبالنسبة للتعليم فقد تجاوزت خسائر قطاع التعليم 100 مليار ليرة، وتضررت قرابة 4382 مدرسة في مختلف المحافظات بحسب وزارة التربية، وتختلف التقديرات حول نسبة التسرب من التعليم بسبب نزوح الأطفال للخارج أو توجههم لسوق العمل لإعالة أسرهم. فالأرقام الحكومية تشير إلى أن نسبة التسرب خلال العام الدراسي 2013-2014 بلغت 30% بواقع تسرب نصف مليون طالب وطالبة، إلا أن نسبة التسرب أعلى من ذلك بكثير، فـ"الأونروا" قدرت، في تشرين أول 2013، أن 49% من الأطفال السوريين تسربوا من التعليم، أي حوالي 2.4 مليون طفل. وتشهد العملية التعليمية تردياً كبيراً في المستوى، وأكثر ما يدل على ذلك هو التقرير الذي أصدره المرصد الوطني للتنافسية عن مؤشرات اقتصاد المعرفة في سوريا في شباط الماضي، إذ حصلت سوريا على المركز 96 من بين 142 دولة في مؤشر جودة التعليم، وعلى المركز 134 من 142 في مؤشر الابتكار.

 

وفي ما يتعلق بالوضع الصحي، يعاني السوريون كثيراً من فقدان الأدوية إذ هناك حوالي 100 دواء مفقود، ناهيك عن ارتفاع أسعار الأدوية أضعاف عدة بعد تراجع الصناعة الدوائية بحوالي 90%، كما وتجاوزت خسائر قطاع الصحة 100 مليار ليرة، وخرج 40 مشفى حكومي و674 مركزا صحيا عن الخدمة حسب الأرقام الحكومية، وتراجع الكادر الطبي في البلاد بقرابة ثلاثة أرباع بين من هاجر وقتل واعتقل وفقاً لبعض التقديرات.

 

تضخم الفقر

 

أما على مستوى دخل الفرد، فتحول ثلاثة أرباع السوريين فقراء خير دليل على تدني دخل الفرد، وتقدر بعض المنظمات الدولية أن هناك أكثر من 10 ملايين سوري يحتاجون للمساعدة منهم 6 ملايين قد نزحوا داخلياً، وفقدوا منازلهم ومصادر رزقهم، ومن المتوقع أن يتعمق الفقر أكثر خلال العام القادم مع توقعات بانخفاض الناتج المحلي بنسبة 57%، إضافة للأثر الذي ستحدثه الحملة الحكومية الشعواء لرفع أسعار السلع الغذائية الأساسية كالسكر والأرز والخبز إضافة للمحروقات.

 

وواقع الحال يشير إلى أن أي زيادة في رواتب العاملين، مع توقع بقرب إعلان زيادة الرواتب بمقدار 50%، لا يمكن اعتبارها تحسن في دخل الفرد، إذ أن الدخل الشهري لقرابة 80% من العاملين لا يتجاوز 30 ألف ليرة شهرياً، وبالتالي يحتاج هؤلاء  إلى تضاعف رواتبهم بمقدار 6 أضعاف، لأن الحد الأدنى لمعيشة الأسرة السورية الآن لا يقل عن 90 ألف ليرة وفقاً لبعض التقديرات.

 

إن تراجع التنمية البشرية يعكس مدى التفتت الاجتماعي وهدر القوى البشرية المنتجة، كانعكاس للحرب التي أعادت البلاد للوراء على المستوى التنموي حوالي 37 سنة بحسب "الإسكوا"، وهذا ليس بالأمر المفاجئ فالمفكر الشهيد مهدي عامل كان قد تنبأ بهذا الأمر في ثمانينات القرن الماضي باعتباره أن الرسالة التاريخية لجميع الأنظمة العربية من دون استثناء تتمثل في هذا التفتيت الاجتماعي بالذات.