النزوح السوري: ثمانية آثار ايجابية على الاقتصاد اللبناني

حنان حمدان
الأربعاء   2014/12/17
محدودية الايجابيات تستدعي التنظيم والاستثمار (علي علوش)

تتضمن التقارير الإقتصادية الصادرة عن جهات دولية ومحلية مختلفة، من فكرة مفادها أن للأزمة السورية آثاراً على المستوى الإقتصادي والإجتماعي اللبناني في آن. وبعض تلك التقارير يذهب الى تسليط الضوء أكثر على الآثار السلبية، أو العبء، خصوصاً، بعد ارتفاع أعداد العائلات السورية النازحة الى لبنان وإستمرار الوضع الإقتصادي السيء. غير انه وسط التشاؤم الظاهر، هناك بعض المساحات البيضاء التي يراها البعض آثاراً ايجابية للنزوح.
يلخّص أحد الناشطين في إحدى الجمعيات الدولية لـ "المدن" (رفض الكشف عن الأسماء)، بأن الأثار الإيجابية للنزوح السوري تتلخص بـ :
1. تحرك ايجابي في سوق العقارات خاصة في بيروت، مما فرض زيادة الطلب على هذا السوق.
2. استفادة أرباب العمل، من أصحاب المصالح الصغيرة والمتوسطة من اليد العاملة السورية كونها أرخص من اليد العاملة اللبنانية.
3. استفادة المتاجر الغذائية المحلية التي اشتركت مع المنظمات الدولية المانحة للهبات والتي تلزم اللاجئ السوري على شراء السلع منها حصراً.
4. مشاريع إضافية تقوم بها المنظمات الدولية، كمشروع "المرج ماركت – البقاع" الذي تقيمه الـ "يو. أن. دي. بي." by UNDP AL MARJ MARKET BEKAA.
5. دخول أموال ومشاريع سورية المنشأ الى لبنان، مما ساهم في تعزيز الحركة الاقتصادية والتجارية.
6. وجود ونزوح الطبقة الغنية السورية التي انعشت الحياة السياحية، لاسيما في بيروت وجونية.
7. نظام لبنان الاقتصادي والمالي والسرية المصرفية التي يتميز بها لبنان عن غيره من الدول المجاورة لسوريا شجعت التجار المتضررين في سوريا على انشاء مصالح خاصة بهم في لبنان وتوسيعها.
8. تدفق الاموال من المنظمات الدولية الى لبنان مما ساهم في ارتفاع السيولة في السوق المالية اللبنانية.
الأثار الإيجابية تلك، تطرق إليها الخبير الإقتصادي كمال حمدان، في أكثر من مناسبة، حيث أكد أنه "مع مرور الوقت، وعدم وجود آفاق لحلول قريبة للأزمة السورية، بدأت أعداد من السوريين بإفتتاح مصانع صغيرة الحجم، أو إستئجار قطعة أرض وإقامة مشاريع متوسطة، أو العمل في بعض المهن، وإن بشكل غير نظامي وقانوني، ومنها العمل في مكاتب المحاماة". وأشار الى نتائج إيجابية تبيّنت من خلال دراسة أجرتها منظمة دنماركية (شارك فيها حمدان)، في مناطق البقاع والشمال، حيث أظهرت مقابلات أجريت مع سوريين ولبنانيين أن هناك أعمالاً حققت ربحاً لكلا الطرفين. وهذه الأعمال توزعت بين أعمال مشتركة بين لبناني وسوري، أو أعمال بدأها سوري وأكملها لبناني. وعرفت نتيجة التعادل في الربح بحالة الـ "وين وين" (Win. Win).
كما تأتي هذه النتائج الإيجابية، وفق حمدان، في ظل "عدم إنفاق القطاع العام اللبناني بمختلف خدماته التعليمية الصحية والغذائية، سوى القليل على النازحين، وفي إطار قياس الأثر الإيجابي للنازحين على الإقتصاد، وجدنا عشرات آلاف السوريون تمت تغطيتهم صحياً من خلال إبرام عقد موحد تم مع شركة تأمين محلية، وتمت تغطية 200 ألف سوري بعقد آخر مع منظمة دولية، حاله كحال الدول الأخرى التي وفد اليها النازحون". ولفت حمدان النظر الى ان هذه الظاهرة الإيجابية "يفترض البحث في أهميتها والعمل على تطويرها، فالهجرة قد تطول".
من ناحية أخرى، شهدت بعض القطاعات ازدياداً في نشاطها، كقطاع النقل مثلاً، حيث نشطت حركة الركاب ووسائل النقل المختلفة، والطبابة أيضاً، فقد خفض بعض الأطباء أسعار "كشفيتهم" بسبب ازدحام المرضى السوريين الطالبين للعلاج. وهناك ايضاً أعداد العمالة السورية المرتفعة والمنافسة في الساحة اللبنانية بسبب انخفاض أجرها مقارنة بالعمالة المحلية، وتلك مسؤولية لا يتحملها العامل السوري، لا بل الدولة اللبنانية في ظل غلاء المعيشة التي لا يسمح للعامل اللبناني بقبول أجر منخفض مقابل قيامه بخدمة ما.
وفي الإطار عينه، لا يؤيد الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي إمكانية الحديث عن "إقتصاد سوري في لبنان قائم بذاته"، أي يعتمد على "دورة إقتصادية ذات هوية سورية صرفة من المنتج الى البائع فالمستهلك". غير انه، وفي حديث لـ "المدن"، لا ينفي وجود "إيجابيات ضئيلة" لمساهمة السوريين في النشاط الإقتصادي اللبناني، خصوصاً إذا سلطتنا الضوء على المتمولين السوريين من الطبقة الثرية التي يحاول بعضها "تحصيل إجازات لفتح مصانع". وعلى الرغم من ضعف النشاط، إلا ان "إحتمال تطويره وتسليط الضوء عليه وعلى أهميته، يمكن أن يقلل من الأثار السلبية الكثيرة للنزوح".
في المقابل، فإن ملاحظة الآثار الإيجابية للنزوح، تبرز من خلال أصوات أصحاب المصالح التي تُنتج سلعاً غذائية أساسية، كالأفران مثلاً. وملاحظة ردود فعل أصحاب الأفران، أفضت، وفق ما أوردته رئيسة قسم مراقبة وسلامة الغذاء في جمعية المستهلك ندى نعمة، لـ "المدن"، الى "إختفاء أصوات أصحاب الأفران، ما يعني أنهم راضون بمعدلات الإستهلاك التي زادتها عملية التغيير الديمغرافي الذي أحدثه النزوح بشكل إيجابي، عبر زيادة عدد السكان، وبالتالي الإستهلاك، الذي حفّز الإنتاجية وتحقيق أرباح عالية".
على الرغم من محدودية النتائج الإيجابية للنزوح السوري مقارنة بالنتائج السلبية، إلاّ ان بارقة الأمل ما زالت تلوح في الأفق، بإنتظار إستثمارها بالشكل الصحيح، خصوصاً عبر تنظيم النزوح. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الإقتصاد اللبناني، فيكتسب السوق نقاطاً إيجابية تعوّض السلبيات التي ينشرها التناحر السياسي الذي يهدف الى إستغلال النزوح تبعاً للمصالح، والنقاط الإيجابية باتت مطلوبة أكثر من قبل، خاصة وان الحديث عن مزاحمة السوريين لليد العاملة اللبنانية، ينتشر على أكثر من صعيد، فيما يتناسى ناشرو الحديث ان المفاضلة بين العامل السوري ونظيره اللبناني يعود في أغلب الأحيان الى الكلفة المرتفعة التي يطلبها اللبناني، الذي يستعين بعامل سوري لإتمام العمل، بعد عقد الإتفاق مع الزبون، ومن ناحية ثانية يعود الى تخلي الدولة عن دورها في تنظيم هذا الملف.