مهنة الخياطة السورية تنقرض

مروان أبو خالد
الإثنين   2014/01/27
إرتفاع أسعار الأقمشة، أحد أسباب معاناة مهنة الخياطة (ا ف ب)
 أدّت سياسات الدمار الاقتصادي المتراكمة وظروف الحرب المتسعة في البلاد إلى حصول خراب كبير طال معظم الحرف والمهن الصناعية التقليدية التي كانت تشتهر بها العاصمة دمشق، كمهنة الخياطة العريقة التي تقلص عدد العاملين فيها إلى بضعة عشرات من الخياطين فقط. فسوق الخياطين اليوم، وهو أحد أعرق الأسواق التاريخية في قلب دمشق القديمة لا يحمل من مهنة الخياطة سوى إسمها. إذ تحوّلت معظم محال الخياطة تدريجياً إلى بيع المواد الغذائية أو المجوهرات أو الألبسة الجاهزة بسبب جملة من العوامل المتراكمة، لعل أبرزها انخفاض معدلات الربح، نظراً لإرتفاع تكاليف ومستلزمات الخياطة بمعدلات خيالية.  
من هنا، دفع تراجع الإنتاج المحلي من الأقمشة بنسبة 90%، بعدما كانت سورية من أهم الدول المنتجة للأقمشة، نحو زيادة الإعتماد على القماش المستورد خاصة من الصين واندونيسيا. وككل السلع المستوردة كانت حجة انخفاض قيمة الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار هي الشماعة التي علق عليها تجار الاستيراد أسباب ارتفاع الأسعار.
وبالمقارنة مع أسعار العام 2011 بالنسبة لبعض أنواع الأقمشة، يلاحظ ارتفاع سعر متر قماش الليكرا من 150-250 ليرة إلى ما بين 1000-1500 ليرة حالياً، وسعر متر الشيفون قفز من 75-100 ليرة العام 2011 إلى ما بين 500-700 ليرة حالياً، وسعر متر الساتان كان 100 ليرة، أما الآن فيراوح سعره ما بين 350-500 ليرة. كما ارتفعت أسعار مستلزمات الخياطة الأخرى خلال الفترة ذاتها، فمثلاً سعر السحاب الواحد كان ما بين 2.5-3 ليرات، أما اليوم فسعره 10 ليرات، وارتفع سعر كيس الألماس حجم 50 غراماً المستخدم في تجهيز فساتين السهرة والأعراس من 175 ليرة إلى 500 ليرة. وارتفع سعر الغوفير وهو قماش مصمم على شكل عروق من الورود التي تزين الفساتين النسائية من 500-700 ليرة إلى 6000 ليرة حالياً، كما ارتفع سعر كيلو المطاط إلى 750 ليرة، بعدما كان سابقاً لا يتجاوز ليرات معدودة. هذا ناهيك عن ارتفاع تكاليف ماكينات الخياطة خاصة في ظل توقف الاستيراد وفقدان قطع الغيار، فسعر ماكينة الجوكي اليابانية المستعملة، لا يقل اليوم عن 65 ألف ليرة بعدما كان سابقاً لا يتجاوز 15 ألفاً.
والحال أن الإرتفاع في مستلزمات الإنتاج دفع الخياطين إلى رفع أسعار الملابس التي ينتجونها بشكل يفوق قدرة غالبية السوريين المفقرين. وتختلف الأسعار بإختلاف الخياطين والمناطق، ولكن وسطياً  يبلغ سعر تفصيل القميص الرجالي اليوم 2500 ليرة بالحد الأدنى، بعدما كان سابقاً لا يتجاوز 700 ليرة، أما البنطال الرجالي فلا يقل سعر تفصيله عن 3000 ليرة، كما قفزت أسعار تصليح الملابس من 50 ليرة لتقصير البنطال إلى ما بين 100-200 ليرة. ويبلغ ارتفاع الأسعار ذروته، فيما يخص الملابس النسائية وخاصة فساتين السهرة والأفراح، فالفستان الذي كان سعره سابقاً 15 ألفاً، لا يقل سعره اليوم عن 50 ألفاً. وأمام عجز المتزوجين الجدد عن تحمل تكاليف شراء هذه الفساتين، يلجأون لإستئجار الفستان من محال الخياطة التي لجأت لهذا الأسلوب بعد تراجع حركة البيع، حيث يؤجر الفستان لليلة واحدة بسعر يتراوح ما بين10 -15 ألف ليرة  بالحد الأدنى.
هذا الواقع المرير الذي تواجهه مهنة الخياطة وارتفاع تكاليفها أدى إلى انخفاض الطلب عليها، ودفع نحو إغلاق أعداد متزايدة من المحال، حيث لم يعد اللجوء للخياطين لتفصيل الملابس يشكل بديلاً اقتصادياً ملائماً للفقراء الذين أصبحوا عاجزين عن كسوة أسرهم بعد أن طال الغلاء أيضاً ألبسة البالة لتصبح كل منتجات الملابس الجاهزة والمفصلة والبالة مرتفعة الثمن مقارنة مع دخولهم المتآكلة. 
 والحال أن الحكومة تصرفت كما تفعل دائماً، فأصدرت قراراً غير قابل للتطبيق.  فقد اجتمعت اللجنة المكلفة تحديد أسعار الملابس اجتمعت يوم الأربعاء الفائت، وقررت تحديد أرباح الألبسة بـ20% للمستورد والمنتج، و25% لبائع الجملة والمفرق، وذلك في محاولة استعراضية لإلغاء تحرير الأسعار. محاولة لن تجدي نفعاً ما دامت مصادر السوق تشير إلى إستحالة إلزام مصنعي الملابس وورش التفصيل بسعر محدد لبيع الألبسة، بفعل اختلاف التكاليف وتذبذب أسعار الصرف واحتكار التجار المستوردين للمواد الأولية ومستلزمات الخياطة بغطاء رسمي. ما يعني حتماً أن مهنة الخياطة العريقة التي كانت ملاذاً لتأمين الملابس، خصوصاً للشرائح المفقرة من السوريين ستلاقي مصيرها المحتوم أسوة بمختلف فروع الصناعة النسيجية التي إنهارت تدريجياً وعلى دفعات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.