بطرس المعري عن عبدلكي: أسئلة أخرى

المدن - ثقافة
الأربعاء   2023/06/07
عاريات يوسف عبدلكي في معرض في دمشق
يُسيّسُ الكُتّاب في مجال الفن التشكيلي، كل ما ينجزه يوسف عبدلكي من أعمال، كذلك يسيّس هو أيضاً كل ما ينجزه.

يكتب عن معارض عبدلكي صحافيون وكتّاب في الشأن الثقافي في الصحف، وكتّاب يمارسون أجناسا أدبية مختلفة، يتتبعون في نصوصهم الفكرة أولاً لا الشكل، الرسالة لا الفن.
وكل يكتب حسب الهامش المسموح به، في حق فنان معارض، وحسب إمكاناته في سبر أغوار ما يرى من لوحاتٍ… وفي الحالتين تبقى غالباً الشهادة منقوصة.

***
وهناك استثناء وحيد في تاريخ الفنان المرموق، من أيام مشروع تخرجه حتى معرضه الحالي في صالة جورج كامل بدمشق، أن رسم فتيات عاريات، قبل خمس سنوات تقريباً. وهذه لم تخلُ أيضاً من تسييس من كثيرين، إن كان تسييس موضوع الأعمال أو المعرض بحد ذاته.
فالبعض وجد في لوحات الفتيات العاريات أيضاً ما يمت للسياسة، الأسود فيها وتقاسيم الوجه، "حزن أو قلق"…

كما قال آخرون كيف لفنان ملتزم مُعارض أن يرسم فتيات عاريات ويعرض اللوحات في دمشق! (بيكاسو رسم غيرنيكا ولم تمنعه قضيته من رسم رجال ونساء في السرير).

في الحقيقة لم نرَ هذه الأعمال إلا من خلال الصور، لكن من خلال معرفتنا بأسلوب الفنان، نستطيع أن نقول إنه عالج الموضوع تقنياً كما يعالج مواضيعه الأخرى، بالروح نفسها والرؤية، وهذا ما لا أفهمه شخصياً. وأستبعد أن يكون الرجل الذي ما عهدته إلا حليق الذقن مشذب الشارب، قد رأى في أجساد الفتيات كوب شاي أو رأس خروف أو مزهرية… فلِماذا قدمهن بهذا الشكل؟ سياسة؟ لا أعتقد.

***
ولدينا بالمناسبة سؤال نطرحه بغض النظر عن "العاريات"… ألا يحق له التنفس؟

***
كان آخر معرض زرته لعبدلكي قد نظمته صالة صفير زيملر، بالتعاون مع السيدة منى أتاسي، في هامبورغ، بعنوان "أسود"، وقد قدم فيه أعمالاً قريبة في مواضيعها من تلك التي يعرضها حالياً في الشام، وقد شاهدنا صوراً ومقاطع فيديو في هذا الفضاء كافية لنأخذ فكرة ولو افتراضية عن المعرض.

ونتساءل، هنا، ماذا لو قدم بهذا الزخم نفسه والمتانة، صورة للمرأة العجوز (المعروضة حالياً في صالة جورج كامل)، وهي تبتسم للمصور في غرفة الجلوس أو في الحقل والمنجل بيدها مثلاً، هل ستأخذ الصدى نفسه؟ نحن هنا أمام عملَين فنيَين، يفترض ذلك، هل ستأخذنا الدهشة كما أخذتنا هنا؟

في كلمة قصيرة حملها جدار في الصالة يقول إن محرضه هو أن يقول "كلمة حمّالة دلالات"، ثم ينتقل إلى الكلام عن الشكل فهو: "السواد المحيق بنا والضياء المشتعل في وجداننا". إذن، أو هكذا نفهم، السياسي صاحب الفكر أو الكلمة أولا ثم الفنان.

وسنعيد هنا مجدداً سؤالنا، لكن بطريقة مختلفة: ماذا كان يرسم عبدلكي في مخيلته وهو عائدٌ من موعد غرامي أو وبعد جلسة أنس مع أصحابه؟

***
يوسف عبدلكي في هذين اليومين يضيء شمعة في قلب كل صبية وشاب في البلد، ربما حملوها يوماً وطوّبوه شفيعاً لهم، أحبهم أكثر من غيره.


(*) مدونة نشرها الفنان السوري بطرس المعري في صفحته الفايسبوكية