ريما خشيش والباص كلارينت...ديو مُغامِر يملأُ شغورنا الفنيّ

نور رجب
الإثنين   2023/05/08
ثنائيّة الكلارينت- الغناء
تنأى الفنانة ريما خشيش بفنّها عن الشرق أحياناً، لكنّها تعود على الدوام وكأنّ غيابها بشتّى أبعاده لا يعدو كونه تلهّفاً للعودّة إلى بيروت التي تربّت فيها على الشغف، ومسارحها التي تروّض الأزمات اللبنانيّة المتتابعة بحنكةٍ، ومثقّفيها المترقبّين دوماً لبصيص الأمل بعدما أنهكتهم رداءة المتاح. عودتها هذه المرّة جاءت في حفلتين غنائيّتين برفقة عازف الباص كلارينيت الهولندي مارتن أورنشتاين، ومن تنظيم جمعيّة "عِرب"، قدّمتهما في مسرح "مونو"(بيروت) بجفون مطبقةٍ، وأداءٍ ساحرٍ أغدق على الجمهور شاعريّةً مفرطةً حملته إلى عوالم أبعد من الحواس المجرّدة بأشواطٍ.

باعتماد ثنائيّة الكلارينت- الغناء، أثبتت ريما أنّ المعرفة الأكاديميّة الواسعة والموهبة الأصيلة المتجذّرة، قادرتان على فرض معادلتهما الفنيّة بلا تختٍ شرقيٍّ أو أوركسترا غربيّةٍ أو مزيجٍ يجمعهما.

ورغم أنّها شرَّقت وغرَّبت، وجالت بصوتها مسارح العالم، ما زالت ريما خشيش تشّد على يدّ الغناء الشرقيّ بمقاماته وقوالبه مهما تغربَن التوزيع، وهي ضمن هذه العمليّة لم تحتج إلى كثافةٍ آلاتيّةٍ لتشقّ الدرب أمام المغني، فصوتها يشدو في الفراغٍ وحيداً مصحوباً بتوزيع موسيقيٍّ أحاديّ على الباص كلارينيت، ليملأه ويفيض منه. فهو صوتٌ مهذبٌ يفهم الفكرة الموسيقيّة ويحترف إخراجها بأناقةٍ ورقةٍ. والجدير بالذكر هنا أنّ هذا الطابع الذي اختير للحفلة منحها شيئاً من مميّزات "الأكبيلا" التي تعنى حصراً بالإمكانات الكبيرة للصوت البشري وتميّزه، وهو نمطٌ مألوفٌ لدى ريما.

أصالةٌ ومغامرةٌ رقيقةٌ
برنامج الحفلة اكتّظ بالأصالة، والاختيارات بطبيعة الحال كانت محدودةً جداً جرّاء التوأمة أو الديو بين الغناء والباص كلارينت، رغم أنّ المحدوديّة لم تكن جائرةً بحقّ الغناء الشرقيّ ومقاماته التي حضرت بربع صوتها بتناغمٌ هارمونيٍّ تام. أي أنّ تأنّي ريما وبتعبيرٍ آخر، سُيّر بعاملين أساسيّن، أولّهما القيمة الفنيّة للعمل نفسه، وثانيهما ملاءمة الأخير لقدرات الآلة الوحيدة التي رافقتها على المسرح دونما انتقاصٍ أو تسطيح.

 
تضّمن برنامج الحفلة، 11 أغنيةً قدّمتها ريما بأداءٍ متمكنٍ وتوزيعٍ رقيقٍ بقدر ما هو حاضرٌ، ومعقّدٍ بقدر ما هو بسيط. وكان من بين المختارات "في وردة بين الوردات" و"يا حبيبي خدني بإيدك" من ألحان زكي ناصيف، إلى جانب كلاسيكيّات الطرب المصري التي حملت توقيع عبد الوهّاب مثل "أحبّه مهما أشوف منّه". وكان لفيروز "حبيبة قلب ريما" كما وصفتها، حضورها مع الأخوين الرحباني في "ضحك اللوز" و"بيتك يا ستّي"ز ولم تسهُ ريما عن الموّشحات التي تبرع في أدائها دائماً، فغنّت موّشح "سلّ فينا"، وأبدعت في أدائه برفقة مارتن برغم التركيبة الإيقاعيّة المعقدّة والصاخبة التي يتسّم بها.

أمّا من أعمالها فغنّت ريما "الشمس" و"وقتي قصير"، بالإضافة إلى أغنية جديد بعنوان "غيمة" من ألحان المخرج المسرحي والموسيقي ربيع مروّة، وقد قدّمتها بشكلٍ مبهرٍ ارتقى بها وبالحضور الى "فوق الغيم" ولاقى احتفاءً لافتاً من الجمهور المنبهر بغنائها وكلمات الأغنية الغزيرة التعبير.

وكان مسك الختام مع رائعة سيد درويش "زوروني كلّ سنة مرّة" التي شاركها الجمهور في غنائها "عالأصول"، لتكون حفلة ريما خشيش دليلاً على أن "السمّيعة" حاضرون بانتظار الحدث.