مديحة يسري ومحمد فوزي...من "قُبلة في لبنان" كانت البداية

أشرف غريب
الخميس   2023/06/01
تزوجت الفنانة مديحة يسري، أربع مرات، بيد أن قصة ارتباطها بالموسيقار محمد فوزي، ثمّ انفصالها عنه، تظل الفصل الأكثر إثارة وأهمية في حياة تلك الفنانة التي رحلت عن عالمنا قبل خمس سنوات، وبالتحديد في 30 أيار 2018. فعندما التقى محمد فوزي بمديحة يسري، للمرة الأولى في فيلم "قُبلة في لبنان" 1945، لم يكن قد قدم للسينما سوى فيلمه الأول "سيف الجلاد" الذي عرض قبل ذلك بعام واحد، بينما كانت مديحة يسري التي بدأت مشوارها السينمائي العام 1942 بدور صغير في فيلم "ممنوع الحب" أمام محمد عبد الوهاب، قد شاركت في عشرة أفلام أخرى قبل هذا الفيلم. وفيما كان فوزي لم يرتق بعد إلى البطولة الأولى، كانت مديحة قد عرفت طريقها إلى البطولات في أكثر من فيلم ضمن هذه الأفلام العشرة أبرزها "أحلام الشباب" أمام فريد الأطرش العام 1942.

عندما تزوج محمد فوزي، مديحة يسري، نهاية العام 1951، كان قد قدم 25 فيلماً، ارتقى فيها إلى أدوار البطولة، محققاً اسمه الكبير مطرباً وممثلاً ومنتجاً أيضاً، فيما كانت هي تثبت أركان دولتها الفنية كواحدة من نجمات السينما المصرية بت35 فيلماً من أهم أفلام هذه المرحلة. وقتها كان هو في الثالثة والثلاثين من عمره، وله ثلاثة أبناء من زوجته الأولى، فيما كانت هي في الثلاثين من عمرها ولها تجربتان سابقتان في الزواج من الفنانين محمد أمين وأحمد سالم من دون أن أولاد. وتحكي مديحة يسري لمجلة "الكواكب" في 24 آذار 1959 عن بداية تعارفها بمحمد فوزي، فتقول: "لا أستطيع أن أحدد بالضبط أين التقيت بالمطرب محمد فوزي لأول مرة، بل أني لا أستطيع أن أحدد متى حدث هذا اللقاء الأول، كل ما استطيع أن أقوله أني كنت كبيرة الإعجاب به كفنان مكافح يشق طريقه في عزم وقوة، ويسعى إلى تحقيق مجده الفني في إصرار وأناة".

لكنها عادت في كل حواراتها بعد ذلك، ومن بينها ما نشرته مجلة "نصف الدنيا" في 14 آذار 2004، لتشير إلى أن لقاءها الأول بمحمد فوزي كان العام 1945 أثناء تصوير فيلم "قُبلة في لبنان"، أما فوزي نفسه وفي عدد مجلة "الكواكب" المذكور فقد قاطع زوجته ليقول: "لكني أذكر أول لقاء لنا، أذكر أني بعد مقابلتي الأولى لمديحة بخمس دقائق، قبّلتها قُبلة حارة في فيلم قبلة في لبنان، ويا لها من قبلة لا تعوض"...

(مديحة وابنها عمرو)

ثم تمضى مديحة يسري في استعادة ذكرياتها للمجلة ذاتها، فتقول: "ومرت الأيام، وكنت كل يوم أكتشف في فوزي مميزات خلقية جديدة جعلتني أحترمه وأقدره، وكان كل منا يشعر أنه يجد ارتياحاً نفسياً عند صاحبه لا يجده عند صديق أو زميل آخر، وكان فوزي قد تحوّل بعد نجاحه الفني الكبير إلى منتج، وكان أول ما فعله هو أن تعاقد معي على بطولة فيلميه الأولين وهما "فاطمة وماريكا وراشيل" و"من أين لك هذا"، وما زلت أذكر مشهداً بعينه من الفيلم الأول، كنا لم نزل أصدقاء فقط ولا شيء أكثر، وكان المشهد يقتضي أن يضع فوزي خاتم الخطبة في يدي، وأحسست أن يدَي فوزي ترتعشان، وشعرت أنا الأخرى بيدي ترتعش من دون وعي مني، والتقت عيوننا للحظة خاطفة تألق فيها إحساس مبهم رغم أننا كنا نعلم أن ما نفعله لا يزيد عن كونه مشهداً تمثيلياً، وأسرع كل منا يشيح بنظراته عن الآخر حتى لا ينفضح شعوره".

في ذلك الوقت، مرت مديحة يسري بأزمة نفسية كبيرة على أثر الوفاة المفاجئة لزوجها الثاني الفنان أحمد سالم الذي رحل بعد جراحة فاشلة في 10 أيلول 1949، وتسابق الزملاء والأصدقاء للتخفيف عن زميلتهم، وكان محمد فوزي على رأس هؤلاء أو أكثرهم حرصاً على إخراجها من أزمتها على حد وصف مديحة يسري، الأمر الذي جعلهما أكثر قرباً وتفاهماً، واستمرت الحال على هذا النحو قرابة عامين، مجرد صداقة بريئة وأعمال فنية مشتركة إلى أن تحولت الصداقة إلى عاطفة معلنة، ثم إلى زواج رسمي دام نحو ثماني سنوات.

 
(قصة حبّي)

في البداية أقام الزوجان في شقة بسيطة في عمارة إيموبيليا وسط القاهرة، والتي أصبحت بعد فترة وجيزة مقراً لشركة أفلام محمد فوزي على أثر انتقال الزوجين لشقة أنيقة في عمارة السعوديين بالعجوزة في حدود العام 1954. وسارت الحياة بالزوجين في مناكبها، فتحولا إلى شريكين فنيين أيضاً، وقدما معاً إلى جانب أفلامهما السابقة، ثلاثة أفلام أخرى هي: "من أين لك هذا، بنات حواء، ومعجزة السماء"، كما كانت شريكته بصورة أو بأخرى في شركة أسطوانات مصر فون التي طاولتها لاحقاً قرارات التأميم، أما على المستوى الشخصي فقد نجحت مديحة يسري في السيطرة على بذخ محمد فوزين وشيدا معاً فيللتهما الشهيرة على ترعة المنصورية في الهرم التي انتقلا للإقامة فيها العام 1956، كما أنجبت منه مرتين: "وفاء" سنة 1953 التي ولدت غير مكتملة النمو وتعاني انسداداً في الشرايين، الأمر الذي دعا إلى السفر بها إلى سويسرا ووضعها في الحضانة هناك، لكن كل المحاولات الطبية للإبقاء على حياتها باءت بالفشل، فسبب ذلك لمديحة ألماً نفسياً كبيراً لم تتخلص منه بسهولة، ودعاها في العام نفسه للقيام ببطولة فيلم من تأليفها أطلقت عليه اسم "وفاء". ثم أنجبت العام 1954 ابنهما "عمرو" الذي تخرج في كلية السياحة والفنادق، وأصبح بطل مصر في الكاراتيه قبل أن يغيبه الموت هو الآخر في 3 آذار 1982 عن 27 عاماً على أثر حادث سير مروع.

وعندما سئِلت قبل سنوات من رحيلها، عن تجربة زواجها من محمد فوزي، قالت مديحة إنها كانت أنجح زيجاتها الأربع رغم أنها انتهت بالانفصال، لأنها ما زالت تحتفظ لفوزي بمكانة خاصة في نفسها وقلبها برغم مرور كل تلك السنوات، واصفة إياه بأنه كان حنوناً جداً ومتسامحاً، ومرحاً، يحب الحياة ويكره النكد، كان متفائلاً بطبعه ويحب مساعدة الآخرين، بارّاً بأهله وبأهلها أيضاً، وعاشقاً لمسقط رأسه في طنطا، لكنه كان غيوراً جداً، وهو ما أوقعهما في كثير من الأزمات، إذن ما دام الأمر هكذا، فلماذا وقع الانفصال بينهما بعد كل هذه السنوات من السعادة الزوجية والنجاح الفني؟

(طلاق)  

في كل حواراته الصحافية عقب الطلاق من مديحة يسري، لم يذكر محمد فوزي ولو مرة واحدة سبباً لانفصاله عن زوجته، رافضاً الدخول إلى هذه المنطقة الخاصة من حياته، مكتفياً بالقول بأنها سيدة عظيمة وأمّ ابنه وشريكته في النجاح، وأن الزواج قسمة ونصيب، وإرادة الله قضت بالتوقف عند هذا الحد. أما هي، فبعد مرور السنوات، وربما بعد رحيل فوزي، بدأت تفصح ولو من دون الدخول في التفاصيل عن أسباب هذا الطلاق. تقول مديحة يسري لمجلة "نصف الدنيا" في آذار 2004 أن سبب الطلاق كان خطأ لم يتمكن فوزي من مواجهتها أو النقاش معها فيه، وتضيف: "جاءني حلمي رفلة برسالة منه يقول لي أنه على الرغم من حبّه وتقديسه لي فإنه لا يستطيع مواجهتي بعد هذا الخطأ، وتم بعدها الطلاق بالاتفاق، وأتذكر أنني بعدما وقعت على وثيقة الطلاق اتصلت به، وقلت له: يا فوزي إن الصداقة كانت تجمعنا قبل الزواج، والآن يجب أن تجمعنا ونحن بيننا ابننا عمرو، وعليك أن تتخير إما أن تدعوني إلى العشاء أو تقبل دعوتي، فتعجب فوزي وقال لي يا مديحة سوف تقتلني أخلاقك، وبالفعل يجب أن نبقى أصدقاء، لكن لي رجاء أن نبتعد عن الصحافة، وسأطلب من الصحافة عدم الخوض في أي شيء حدث بيني وبينك، وبالفعل جمعتنا الصداقة إلى آخر دقيقة في عمره".


وإذا كانت مديحة يسري قد وصفت سبب انفصالها بالخطأ الذي لم يستطع فوزي مواجهتها بشأنه، فإنها كانت صريحة حينما قالت لمجلة "الكواكب" في 20 تشرين الأول 2014 أن الطلاق تم بناء على رغبتها، بعدما شعرت بجرح عميق في كرامتها على أثر دخول امرأة أخرى إلى حياته، وإحساسها بأنه تصرف "كأنه أمسك بسكين وذبحها" على حد وصفها. ثم عادت وتحلت بأعلى درجات الصراحة والمباشرة حينما قالت للإعلامي عمرو الليثي في برنامجه التلفزيوني "واحد من الناس"، أن محمد فوزي خانهان شأن بقية أزواجها، ولذلك طلبت الطلاق في هدوء. ولئن كان هذا ما دأبت مديحة يسري على تكرارهن في سنواتها الأخيرة على الأقل، فإن الصحافة وقت انفصالهما قالت شيئاً آخر. أولاً أن الطلاق الذي تم في 2 تشرين الثاني 1959 في مكتب محمد فوزي في عمارة إيموبيليا، كان الثالث بينهما، وبالتالي استحالت فكرة عودة الحياة الزوجية بينهما، لو أرادا ذلك، وأن الطلاق الثاني كان في 12 تشرين الأول 1958 بحسب صحيفة الأهرامن صباح اليوم ذاته، وأنه لم يستمر سوى أسبوع واحد على أثر طلب محمد فوزي الصلح...

حِمِش
أما أسباب الانفصال، فقد أجملها صديقهما المشترك الصحافي جليل البنداري في تحقيق كتبه في "أخبار اليوم" في 31 تشرين الأول 1959 أي قبل يومين فقط من وقوع الطلاق، حيث قال إن الخلافات المادية كانت حاضرة في مشهد الانفصال بسبب تداخل أموال الطرفين باعتبارهما شريكين في أعمالهما الفنية، وأن هذا سبّب مواجهات بين الاثنين، كما ذكَر ما أشيع عن علاقة مديحة يسري بمليونير سكندري تنوي الزواج منه بعد الانفصال، رغم نفي مديحة ذلك، إضافة إلى الغيرة المتبادلة بينهما، مدللاً على ذلك بالخلاف الذي دبّ بسبب الصورة التي نشرتها الصحف لمديحة وهي تراقص الأمير الهندي علي خان أثناء خلال مهرجان "كان" السينمائي. لكن أهم ما ذكره البنداري تمثل في أمرين، أولهما ما معناه عدم قدرة مديحة على تحمّل وجود أبناء محمد فوزي من زوجته الأولى معهما في فيللا الهرم، والمشاكل الطفولية التي سببها وجود هؤلاء الأبناء لابنهما المشترك عمرو. والأمر الثاني هو اختلاف الطباع بين الزوجين، حيث وصف فوزي بالحدّة وأخلاق الفتوات مختتما تحقيقه الصحافي بهذه الفقرة: "الذين يشاهدون الزوجين معاً يظنون أن مديحة كزوجة تضرب زوجها في كل يوم عَلقَة، وأن فوزي من الرجال المخنثين الذين يتلذذون من شباشب الزوجات... والحقيقة هي العكس تماماً، ففوزي في بيته رجل حمش إلى أقصى درجة، فقد كان يعامل زوجته كما يعامل الفتوات زوجاتهم، وقد رأيته مرة يضرب مديحة يسري بمائدة صغيرة، ولعلها الآن تتحسّس مكانها على جبهتها وهي تطالب بالطلاق".