"الترجمات العربيّة للكتابِ المقدّس وأثرُها" لأمين ألبرت الريحاني

المدن - ثقافة
الخميس   2023/01/26
"انتقلت عدوى التأثر بالكتاب المقدس، من النهضويين في بيروت، إلى شعراء أمثال الشابّي والسيّاب"
صدر عن دار نلسن في بيروت، كتاب "الترجمات العربيّة للكتابِ المقدّس وأثرُها في عصر النهضة"، لأمين ألبرت الرَيحاني.


وجاء في مقدمته: "سأتناول حركة الترجمة العربيّة للعهدين القديم والجديد بشقَّيها البروتستانتي والكاثوليكيّ وأثر هذه الحركة في الفكر العربي الحديث. ومن المعروف بهذا الصدَد أن المعلم بطرس البستاني هو الذي راجع اللُّغةَ العربيّة للترجمة البروتستانتيّة، لكن من غير المعروف أن المعلّم بطرس كان يستشير صديقه وزميله الشيخ ناصيف اليازجي في مراجعة لغة تلك الترجمة وتراكيبها ومصطلحاتها ومفرداتها بحيث تأتي الصيغةُ النهائيّة للترجمة المذكورة على أكمل وجه ممكن. وإذا تذكّرنا أنّ الشيخ إبراهيم اليازجي هو الذي راجع لاحقًا الترجمة العربيّة للنص الكاثوليكيّ فيمكن الاستنتاج أن عائلة اليازجي، مع الأب الشيخ ناصيف والابن الشيخ إبراهيم، هي التي أشرفَتْ على الترجمتَين العربيَّتَين، البروتستانتيّة أوّلًا والكاثوليكيّة لاحقًا، العمَلَين البارزين في حركة الترجمة الأدبيّة في القرن التاسع عشَر".

ويعدّد الكاتب الترجمات التسع للكتاب المقدس: بوليغلوت إسطنبول ( سنة 1546)، بوليغلوت باريس (1630- 1645)، بوليغلوت لندن (1654- 1657)، بروباغندا روما (1671)، دبّاسية حلب (1706)، شدياقية بيروت(1851- 1857- والمقصود فارس الشدياق المعروف لاحقاً بعد اعتناقه الإسلام بأحمد فارس الشدياق)، بروتستانتية بيروت ( 1865)، دومينيكانية الموصل (1875- 1878)، يسوعية بيروت 1876 -1880). ويشرح الباحث تفاصيل وأسماء كل مشروع على حدة.


"المقارنة اللغوية بين الترجمتين البروتستانتية والكاثوليكية تصل إلى خلاصة مفادها أن الترجمة البروتستانتيّة هدفَتْ إلى تبسيط اللغة بحيث يفهمها القارئ المتعلّم كما يفهمها العامّة. لذلك أتت عباراتها سليمة، صحيحة، قريبة من الناس، مبسّطة لا تعقيد فيها ولا غموض.

انتقلت عدوى التأثر بالكتاب المقدس، من النهضويين في بيروت، إلى كبار شعراء العربيّة الحديثة، أمثال أبي القاسم الشابّي، وبدر شاكر السيّاب، وسواهما. يقول المؤلف: «ولَئِنْ بدأت الشرارة الأولى مع شبلي الشمَيِّل وفرح أنطون فهي لن تنتهي مع يوسف الخال وبدر شاكر السيّاب. فهذه المسألة تُشَكِّل محوراً رئيسياً من المحاور الفكرية والفلسفيّة في الأدب العربي الحديث. وأغلب الظن أن تكاثر الدراسات حول هذا الموضوع سيُوَلِّد مزيداً من الدراسات حتى تتكامل الصورة وتُعالَج من مُختلف جوانبها». ويرى أن النقد الديني الذي ظهر في تلك الفترة كان تحت وقع قراءة الكتاب المقدس بالعربية: «هاتان الترجمتان كانتا أبرز هديّة تُقدَّمُ، عن قصد أو غير قصد، إلى التحرر الفكري العربي في مطلع القرن العشرين، والتحرّر الفكري العربي كان أبرز هديّة تُقدَّمُ، عن قصد أو غير قصد، إلى الحداثة العربية بمستوياتها الأدبيّة والفلسفيّة والسياسية».


يعتقد الكاتب أن عمه أمين الريحاني كان من أكثر الكُتّاب جرأة في الإفصاح عن تأثره بالفكر الديني، سلباً أو إيجاباً، من خلال الترجمة العربية للكتاب المقدّس. ثمة إشارة في الكتاب إلى أن مكتبة جبران في بشرّي تضم نُسخة الترجمة البروتستانتيّة، المطبعة الأميركانيّة، بيروت، 1909. وهي نفس النسخة الموجودة في مكتبة الريحاني. عند جبران تأثيرات الكتاب المقدس واضحة في كل كتاباته خصوصاً «عرائسِ المروج» (1906)، و«الأرواح المتمرّدة» (1908)، و«دمعة وابتسامة».

والتأثيرات ظهرت مع النصف الثاني من القرن العشرين خصوصاً في قصيدة النثر، من خلال أعمال رواد مجلة «شعر» مثل يوسف الخال، وأدونيس، وبدر شاكر السيّاب، وخليل حاوي، وشوقي أبي شقرا، وأنسي الحاج، وفؤاد رَفقة، ومحمد الماغوط، وسواهم. «تأثير يتغذّى برموز ودلالات مستوحاة من المسيح ولعازر، وأيّوب... ورؤى مستوحاة من معاني نشيد الإنشاد وسِفر الجامعة والمجوس والموعظة على الجبل والعشاء الأخير والتوبة والصلب والقيامة والجلجلة والشوك والغار والقديس والقدّاس والبخور والإيمان والطلبات».

وثمة جدل أحدثه الكتاب حول فقرة تقول "حمل العهد الجديد بلغته العربية بذور أدب عربي جديد وبذور شعر عربي جديد، بل بذور نهضة فكرية عربية تصحِّح المسار وتشير إلى أن النهضة العربية في لبنان مع القرن السابع عشر ولم تنتظر نابوليون وجحافله الغازية في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، الأمر المتداوَل زوراً وبهتانا"، وهذا الرأي اعتبره المعلّق جهاد الزين مبالغة كبيرة تحتاج الى بحث بل أبحاث.