سمير جعجع: منطق الدولة لا «منطق» الطائفة

أسعد قطّان
الأحد   2023/01/22
سمير جعجع (الأرشيف)
تستطيع أنّ تحبّ سمير جعجع وتستطيع ألّا تحبّه. لكنّك لا تستطيع أن تنكر أنّ ما قاله قبل حفنة من الأيّام في مقابلته المدوّية على تلفزيون «الجديد» هو كلام خطير وعلى جانب كبير من الأهمّيّة، ويحتاج إلى قراءة هادئة ومتأنّية. 

أبرز ما يلفت في كلام «الحكيم» أنّه كلام واضح، دقيق، وبعيد من الشعبويّة، ويضع العوارض في سياقات أوسع هي سياقات المرض والعلّة. في كلّ مرّة كان المحاور يحاول أخذ جعجع إلى «منطق» حقوق المسيحيّين، ربّما لسذاجة منه أو لرغبته في أن يقوم بدور محامي الشيطان، كان جعجع يصوّب البوصلة، فيذهب إلى المنطق الوطنيّ قائلاً إنّ المشكلة ليست بين المسلمين والمسيحيّين، كما يدّعي بعض الجهابذة، ولا هي مشكلة حقوق طوائف وخلافات بين الطوائف، بل هي مشكلة قيام الدولة أو عدم قيامها، ووجود ميليشيا مسلّحة تدعم المفسدين في الأرض وتحول دون بزوغ فجر الدولة. 

وفيما يصطخب البلد، بمشاركة متعمّدة من جيش من الإعلاميّين والإعلاميّات، بنظريّة المواقع في الدولة، ولا سيّما «التآمر» على مواقع الموارنة، حتّى إنّ البطريرك المارونيّ نفسه وقع في فخّ هذه النظريّة، أكّد جعجع أنّه ليس ثمّة مخطّط لتفريغ المواقع المسيحيّة في الدولة، بل لوضع اليد على الدولة في مواقعها كافّةً. مرّةً أخرى، إذاً، نجح رئيس حزب القوّات اللبنانيّة في تفادي المصيدة الطائفيّة المنصوبة له عبر الاعتصام بمنطق الدولة، التي يتعيّن عليها أن تمثّل المشترك بين المواطنين وأن تدير تنوّعهم بذكاء وحصافة. 

لقد أخذ بعضهم على جعجع أنّه يروّج للتقسيم أو للفدرلة. وادّعى بعضهم أنّه، في هذا، يقدّم خدمةً مجّانيّةً للنائب جبران باسيل، الذي بدأ يخسر أوراقه الواحدة تلو الأخرى بعدما أخذت العونيّة السياسيّة تلفظ أنفاسها، وهو اليوم مشرذم بين ولائه المعطّل لميليشيا ترفض أن تسلّمه السلطة وكوابيس ثورة 17 تشرين التي ما زالت تؤرقه. لكنّ قراءةً دقيقةً لكلام جعجع تبيّن أنّه لم يتحدّث عن دويلة للمسيحيّين، بل عن حلول بديلة لانهيار الدولة يلتقي عندها كلّ الذين يرفضون هيمنة الحزب الحاكم. أمّا الفيدراليّة، فهي عند جعجع طرح مثل سواه، أي إنّه قابل للبحث وليس عقيدة. والأهمّ من ذلك كلّه أنّ إعادة النظر هذه في «النظام» القائم لا تصبح ضرورةً إلّا إذا تعذّرت العودة إلى الدستور بمندرجاته كافّةً بعدما نجح المارقون والبلاطجة في تعطيله. وعند جعجع أنّ هذه العودة، أو ما يحتّمه فشلها من الذهاب إلى سيناريوهات أخرى «مع كلّ شركائنا في الوطن»، يجب أن تتمّ بسرعة. فالبلد عاد لا يحتمل، والمجتمع مهدّد بالاندثار.  

تستطيع أن تحبّ سمير جعجع أو لا تحبّه. وتستطيع أن تتّفق معه أو لا تتّفق. لكن من الصعب أن تنكر أنّه، في مقابلته الأخيرة على «الجديد»، يسمّي الأشياء بأسمائها ولا يلتفّ عليها. يعبّر عن موقف استراتيجيّ في السياسة غير قابل للمراجعة أو للتبدّل بعكس ما يُكتب ويشاع. ويسعى إلى التفكير من خارج صندوق الإيديولوجيا الطائفيّة التي يلتقي عليها كلّ من يمنع بناء الدولة. إنّها، ولا شكّ، نقلة نوعيّة في خطاب رئيس حزب يحمل صبغةً «مسيحيّةً» لا لبس فيها تحول حتّى اليوم دون أن يصبح حزباً عابراً للطوائف…