المضمرات

عادل نصّار
الجمعة   2022/09/30
لوحة للرسام عصام يوسف
المضمرات في الكلام المُرسل ضرورية، تفادياً لمشاكل لا تُحمد عقباها، كانتهاء العلاقة أو جرح مشاعر المُرسل اليه كلامنا أو خطابنا، ونأمل منه فك شيفرات الكلام المُضمر، مراهنين على نباهته وذكائه كما جاء في كتاب "المُضمر" لكاترين كيربرات اوركيوني.

والمضمر ليس كلامياً فقط، بل هو أيضاً كيف نُمثل على خشبة مسرح الحياة، كما ورد في كتاب "ما بعد الحداثة" لدايفيد هارفي نقلاً عن أحد الفنانين في منتصف السبعينيات. لكن السؤال الذي يبرز هنا هو: هل المُضمر في الكلام الذي نرسله متوافق مع إشارات التمثيل الآنف ذكرها؟ مارغريت دوراس، التي استشهد جيل دولوز بأحد أفلامها في كتابه "السلطة والمعرفة"، تُفيد بسَير المضمر والإشارات في اتجاهات مختلفة، إلا أنهما يؤدّيان مع ذلك، برأيي، الى الهدف ذاته والمغزى المراد إيصاله. 
ذكر لي صديق سينمائي نقلاً عن إحدى الأساطير الصينية، أن أحدهم كلّف قاتلاً بقتل غريمه، واشترط عليه أولاً أن ينزع قناع وجهه قبل أن يقتله، إلاّ أن المفاجأة كانت أنه كلما نزع قناعاً ظهر قناع آخر. كاد الفجر أن ينشق وهو ما زال على هذه الحالة التي فرضت عليه إلغاء مهمة قتل الرجل.

هل فعلاً ما عدنا قادرين على إظهار حقيقة وجوهنا وكلامنا؟ ومن دون أن نُمثل على خشبة مسرح الحياة، أمام هذا الواقع، هل من المتاح لنا أن نعيش غَفلين ونأمل أننا سنحيا بلا مُنغصات؟ أم أنّنا سنبدو مُغفلين؟ إذ حيث تبدو كلمتا "غفل" و"مغفل" متقاربتين، الأولى توصل الى الثانية مع ما فيها من مشاكل ومصاعب في عيش الحياة بهناءة وخلوّ بال. 

البعض ممن يحاولون رفض استعمال هذه الألعاب القائمة على مضمر الكلام ورموز وإشارات الترميز، قد يُنفَون، أمام إصرارهم على عدم الدخول في هذه الألاعيب الإجتماعية، إلى الهامش. وهذا الإصرار قد يكون ناجماً عن قلة خبرة أو تدريب منذ الصغر، أو أنه موقف ثقافي معاند وإنتقادي لكيفية إدارة العلاقات الإجتماعية، لأنها، وكما يظهر للبعض، ألعاب خفة أو بهلونيات قد تفتح المجال واسعاً أمام التنمر على الآخرين، وفي أحيان كثيرة قد تفضي إلى التأويل الذهاني من أوسع أبوابه.

من هنا نجد الرابط المتين بين الألعاب الاجتماعية، وما فيها من مضمرات التمثيل أو الكلام، مع علم النفس. قد يعطي البعض أحياناً انطباعات محبذة في شخصياتهم، لكنهم فجأة يتحولون إلى لاعبي خفة وبهلونيات، بحيث تتدنى قيمة الشخص والتقدير الذي سبق وناله، قبل أن يمثل دور البهلوان. إن هذه الألاعيب تسمح بارتكاب أخطاء وموبقات، وهي تقوم بدورها الإجتماعي بألعابه كافة، وقد تسمح لشخص مثل ستالين أن يبدو لطيفاً، لا يصدر أوامر كما وصفه أمين عام الحزب الشيوعي الألباني على حد ما ورد في كتاب "المضمر" آنف الذِّكر، مع أننا جميعاً على دراية بجرائم ستالين وديكتاتوريته، فهو أيضاً، كما يبدو، يستعمل المُضمر في أوامر القتل والتهجير والقمع.