شياطين حامد سنو و"مياس" ومنى برنس

محمد حجيري
الثلاثاء   2022/09/13
ثلة من الكهنة ربطت رقص الفرقة بالأفاعي الشيطانية
أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر حكما نهائياً، بعزل منى برنس، الأستاذة الجامعية، من وظيفتها، بسبب ما وصفته المحكمة أنه ثبوت ارتكاب الأستاذة لمخالفتين هما "الرقص في العلن وتشجيع طلابها على ذلك، فضلاً عن إنكارها ثوابت دينية". وكانت برنس قد أثارت الجدل في يونيو 2017 حينما نشرت مقاطع فيديو في فايسبوك وهي ترقص شبه عارية وتشجع متابعيها على فعل ذلك، كما أنها تحدثت في أمور دينية وحاولت إظهار إبليس على أنه "بريء وكان يمارس حرية الرأي" عندما "عارض أوامر الله". لا ضرر في القول إن منى برنس، في بعض سلوكياتها تتصرف بسذاجة، بغض النظر عن مضمون مواقفها ورأيها ورقصها، المحنة أن المحكمة الإدارية العليا، أيضاً تمارس بحقها سذاجة مضادة، من خلال اتهامها بممارسة الرقص، وقول رأيها بقضية هلامية...

في لبنان، كشف حامد سنو المغني الرئيسي لفرقة "مشروع ليلى"، توقف أعمال الفريق، وكانت الفرقة تعرضت للمنع من المشاركة في مهرجان بيبلوس في جبيل العام 2019، بعد اتهامات بأن بعض كلمات أغانيها في ألبوم "ابن الليل" تروج لعبادة الشيطان وتسيئ للديانة المسيحية. وبينما احتفل اللبنانيون أيضاً بإنجاز بفرقة "مياس" ووصولها إلى العالمية في برنامج "اميركاز غوت تالنت"، كان الإبكونوموس الياس رحّال يكتب معتبراً الفرقة ظهوراً جديداً لمشروع "ليلى" الشيطاني، ولم يقتصر الأمر عليه، فثمة ثلة من الكهنة ربطوا رقص الفرقة بالأفاعي الشيطانية انطلاقاً من مقولة "سأجعلُ عداوةً بينكِ (الحيّة) وبين المرأة (العذراء مريم)، والكنيسة، التي هي أمّها، وبين نسلكِ ونسلها. هيَ (المرأة) ستسحق رأسكِ، وأنتِ (الحيّة) سترصُدينَ عَقِبَها". (سفر التكوين).

قبل هذا وذاك، طعن لبناني مناصر لدولة "حزب الله"، الروائي الهندي الأصل سلمان رشدي في نيويورك على خلفية فتوى أصدرها روح الله الخميني العام 1989 ضد صاحب رواية "آيات شيطانية"... لم يأت رشدي بجديد في تناوله قصة الشيطان، ويشير عنوان روايته إلى "قصة الغرانيق" وهي رواية تاريخية متنازع عليها في المرويات الإسلامية ومفادها أن نبي الاسلام كانت تُملى عليه آيتان من القرآن، تم التخلي عنها في ما بعد لأن الشيطان خدعه وأملاهما عليه. "قصة الغرانيق" لها أصل في "صحيح البخاري" رواها محمّد بن جَرير الطَبَري في كتاب "تاريخ الرسل والملوك"… أخيلة سلمان رشدي وكلماته ومجازاته واستعارته وسخرياته حول هذا الموضوع، حركت غضب الأمم والمفكرين أكثر من المجازر والقضايا الكبرى.   

الخيط الرابط بين الأخبار المذكورة أعلاه هو الشيطان وتفاصيله... الشيطان الذي رفض ان يسجد لآدم، ما زال يربك مجتمعنا ودولنا وسهراتنا وذواتنا، رغم أن وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" اخترعت تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ومع ذلك ما زلنا نبني امبراطوريات من الحكايات حول الشيطان ودوره في أزماتنا وهفواتنا وتعثرنا وحبّنا وحروبنا وكتابتنا. وما زال غلاة الدين يسعون لإبادة مجموعة الآزيديين الإثنية، لأنها لديها معتقدات خاصة عن فكرة الشيطان، تتناقض مع الأديان الاخرى. هل "الشيطان" قوي إلى هذا الحد؟! أم أن العقل البشري تافه وهش، وما زال أسير النمطيات والهلاميات، ينتج أخيلة وميتافيزيقات وغيبيات كجزء من الشعور بالخوف بل كجزء من الضعف والترهل وكجزء من التوهم؟ فمنذ وجدت الأديان السماوية التوحيدية وُجدت أسطورة الشيطان، وهو الذي لعب دور شبح المعصيات والأمور السيئة والخطايا، التي يرتكبها الإنسان وينسبها له، بينما ينتظره الإله ليعلن ولاءه له ويلعن الشيطان في كل شيء.

حين تناول الكاتب السوري صادق جلال العظم موضوع إبليس في كتابه "نقد الفكر الديني"، جعله بطلاً تراجيدياً مخلصاً لخالقه، لكنه مكروه من عباد خالقه، فهو وقع في تناقض فرضه التعارض بين الأمر الإلهي والمشيئة الإلهية، كما يشرح العظم، فعصيانه محسوب بدقة، وإلا ما كانت الخليقة أصلاً ولانتفت الحاجة إلى الأنبياء والرسل والكتب المقدسة. حين قرأت مقالة العظم في بداية التسعينيات، تساءلتُ أكثر من مرة، ما الذي يجعل مفكراً علمانياً وماركسياً يجهد في تقديم دراسة عن أمر أسطوري ويبتعد عن قضايا الناس المُلحّة واليومية والمعيشية؟ هل نحن بحاجة لذلك، هل ثمة ضرورة لذلك؟ كنت اعتبر أن الموضوع لا يستحق كل هذا الجهد، انطلاقاً من قناعات فكرية واجتماعية... بالطبع كان العظم عاشقاً للسجال وإثارة الجدل، وكان يعرف كيف يحرك السجالات ويثير النقاشات، سواء تعلّق الأمر بـ"مأساة ابليس" عنوان مقاله، أو بـ"نقد الهزيمة" أو بـ"سلمان رشدي وذهنية التحريم". اليوم لم تتغير المشهدية عن زمن كتابة العظم مقالته الشهيرة وتعرضه للمحاكمة بسبب كتابه "نقد الفكر الديني".

إذ تُبيّن متابعة "الخبريات الشيطانية" أن البشر الذين تبنوا العماء الفكري والأيديولوجي، ما زالوا في مكانهم، ويختارون الصورة النمطية للأشياء، كجزء من موروث ديني واجتماعي ولفظي، بشكل تلقائي يجعلون من الشيطان استعارة للشر والأعمال القبيحة، ومَن يخالف هذه الاستعارة يكون عرضة للشر... وأحياناً يضع غلاة الدين من يخالفهم في السلوك الاجتماعي والثقافي والجنسي في الخانة الشيطانية، وهذا ما حصل مع فرقة "مشروع ليلى"، اذ لمجرد أن أعلن حامد سنو عن مثليته أصبح في خانة الشيطان، ولمجرد أنه يغني الروك ينسبونه إلى عبدة الشيطان، والآن امتدت الشيطنة إلى فرقة "مياس". فالياس رحال يذكرنا بـ"أمجاد" محاكم التفتيش ومطاردة الساحرات وهو يتحدث عن الفرقة قائلاً: "من يريد أن يعرف: إنّ حضارة المايا هي حضارة تعبد الشياطين، وتُقدِّم الضحايا البشرية لهذا الإله الجهنّمي، وقد حرقت الكنيسة الكاثوليكية كل مؤلفاتهم وكتبهم عندما حكم الإسبان الكاثوليكيون مناطقهم في أميركا اللاتينية حيث انتشروا، لأنها رأت فيهم عبادة شيطانية"، ويعتبر رحال "لبنان بلد القديسين" دون غيرهم، وينسب فرقة الرقص إلى الشيطانية و"أفاعيها"، ويرى أن أجساد راقصاتها المتحركة والساحرة، "ليست من نسيج الشعب اللبناني المؤمن بخالقه، فهو يقف خلف أمّه مريم التي تقودهُ بعدما أعلن تكرّسهُ لقلبها الطاهر ولقلب يسوع الأقدس"، ويحتم الأب "أنكم في النهاية ستفشلون في كل معارككم البهلوانية التي تُساندكم فيها الأفاعي الجهنّمية، وسيقى لبنان كما في الأمس، واليوم، وحتى المجيء الثاني للمسيح، مُلكاً ليسوع ومريم.

فهنيئاً للبنان بمحاكم تفتيشه... ولا بأس بالتذكير بأن الذين يخافون رقص الأجساد، يجهدون في التغطية والستر على مغتصبي الأجساد.