متى ولدت أسمهان... هل أسست نادي الـ27؟

محمد حجيري
الإثنين   2022/08/01
أسمهان طفلة (عن موقع سعد الله آغا القلعة)
لغز وفاة أسمهان في حادث سقوط سيارتها في الترعة العام 1944، وتعدد الروايات حول هذا الموت، لا يختلف كثير عن لغز ولادتها على متن سفينة، والجدل حول تحديد سنة ولادتها. 

يقول الروائي حسن داوود "يصعب على من لا يعرف إلا القليل عن حياة أسمهان أن يصدّق أنها لم تعش إلا سبعة وعشرين عاماً. حتى في الصور تبدو كأنّها جاوزت هذا العمر بأشواط، على رغم العناية الزائدة التي بذلها المصوّرون لتلك اللقطات القليلة. ربما يرجع ذلك إلى أن نساء ذلك الزمن كنّ يصلن إلى عمر النضج مسرعات. ولنزد على ذلك، في ما خصّ أسمهان، ذلك التاريخ الشخصي والفنّي الحافل الذي لم تتّضح ألغازه بعد".

والحال أن هناك غموضاً يكتنف سنة ميلاد الفنانة الشامية، وبالتالي تختلف الروايات حول عمر أسمهان الحقيقي، بين من يقول إنها أوّل من أسس "نادي الـ27" الذي يضمّ في عدداً كبيراً من الموسيقيين والفنانين الذين قتلوا أو ماتوا في السابعة والعشرين من عمرهم. وبحسب تقرير نشر في "العربي الجديد"، فشلت الدراسات الإحصائية في العثور على أي أسباب "غريبة" في حالات الوفاة المشابهة هذه وفي هذه السن تحديداً أي الـ27، لكن لم يصل العلم إلى أي نتيجة، بل اكتفى بعض الكتّاب والصحافيين بإعداد كتب تحاول تفسير ظاهرة وفاة نجوم في هذه السنّ. وهنا أسماء أبرز هؤلاء الفنانين: برايان جونز، جيمي هندريكس، جانيس جوبلين، كيرت كوباين، إيمي واينهاوس وجيم موريسون...

وثمة من يقول إن سنّ أسمهان، يوم سقطت في الترعة، كان أقرب إلى لغز سنّ المسيح الذي قيل إنه عاش 33 عاماً... تتفق الروايات على أن أسمهان ولدت على ظهر باخرة شحن يونانية متجهة من إزمير إلى بيروت، لدى سفر أهلها المفاجئ من ديميرجي من أعمال إزمير في تركيا إلى سورية، وأن تلك الولادة تمت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر في إحدى تلك السنوات المحتملة. وأراد أبوها الأمير فهد الاطرش أن يسمّيها "بحرية" لانها ولدت بالبحر، لكن والدتها الأميرة عالية المنذر، سليلة آل المنذر في حاصيبا (لبنان)، سمّتها "آمال" لأنها ولدت مع أمل النجاة إثر ليلة كادت فيها الباخرة تغرق.

وبحسب سعيد الجزائري، في كتابه "أسمهان ضحية الاستخبارات"، فإن آمال فهد فرحان إسماعيل الأطرش، ولدت في 25 تشرين الثاني 1912 في الباخرة التي أقلّتها ووالديها إلى بيروت برفقة أخويها فؤاد وفريد، وهي بحسب مجلة "المصور" ولدت في العام 1918، و1917 كما تذهب بعض المصادر التي تستند إلى سيرة والدها فهد الأطرش. يقول الصحافي محمد التابعي، الذي دوّن سيرة أسمهان، أنها ولدت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1912، ويتبنى فكتور سحاب هذا التاريخ في كتابه "السبعة الكبار" ليؤكد أن أسمهان سجلت أغانيها الأولى وهي في العشرين من عمرها. في المقابل يقول إعلان شركة كولومبيا بأن المطربة "لم تكن تبلغ من العمر أكثر من 14 سنة"، واتضح أنها سجلت "يا نار فؤادي" في 1931، وليس في 1937 كما ذكر الباحث فكتور سحاب في كتابه بحسب ملاحظة محمود الزيباوي.

دخلت أسمهان عالم الفن من الباب الكبير في العام 1931، ولفتت الأنظار إليها بسرعة. نقلت مجلة "الكواكب" خبراً يقول بأن إحدى الشركات السينمائية تتفاوض مع أسمهان "للقيام في دور غنائي" أمام بدر لاما في فيلم بعنوان "خفايا القاهرة"، والمشروع لم يتحقّق.

ويرجح الكاتب السوري سعد الله آغا القلعة استناداً إلى التحليل التاريخي، ميلادها العام 1918، انطلاقاً من إجماع المؤرخين على أن حادثة السفر المفاجئ على متن باخرة، كانت "نتيجة تحذيرٍ وصل إلى الأب، فيما بقيت طبيعة ذلك التحذير غير واضحة"، ويسأل: "هل تتصل بالقبض عليه من قبل الجند العثمانيين؟ أم من قبل جيشٍ غريبٍ يغزو المنطقة؟ وهنا تورِد بعضُ الروايات، أن التحذير كان من اعتقاله من قبل الجيش اليوناني". ويذكر آغا القلعة أنه في العام 1911، أعدم العثمانيون ذوقان الأطرش، والد سلطان باشا الأطرش، بسبب مقاومته الحملة التي قادها سليمان باشا على منطقة جبل العرب السورية العام 1910. لاحقاً، تمت تسمية سليم الأطرش قائداً للجيش العثماني في المنطقة، ورُقِّيَ فهد الأطرش، والد أسمهان، في وظيفة قائمقام في ديمرجي التابعة لمحافظة إزمير في تركيا، اعتباراً من 1912. تزامنت إقامة فهد الأطرش قرب إزمير، مع الحرب التي شنتها مجموعة دول البلقان على الدولة العثمانية في العام 1912، وانتزعت في ستة أسابيع، جميع أراضي العثمانيين في أوروبا، عدا اسطنبول وشبه جزيرة غاليبولي، لكن تلك الحرب لم تمس إزمير، بل بقيت محصورة في الجزء الأوروبي من الأراضي العثمانية، مع قبول احتمال حصول مناوشات بين اليونانيين والعثمانيين انطلاقاً من الجزر اليونانية المتاخمة لإزمير.

اندلعت الشرارة التي أعادت فهد الأطرش إلى بلاده، حسب معلومات الباحث أغا القلعة، من تزامن حدثين كبيرين، أنهيا إلى الأبد علاقته بالدولة العثمانية. ارتبط الحدث الأول بالثورة العربية الكبرى، التي كانت قد انطلقت بقيادة الشريف حسين، شريف مكة، العام 1916، وساندها سلطان الأطرش، فكان أول من رفع علمها على بيته في القريّا في ربيع 1918، ما استدعى هرب فهد الأطرش من إزمير، في ظل استمرار سليم الأطرش في موقعه، متبادلاً مع سلطان الأطرش، رسائل قاسية، بخصوص الثورة العربية الكبرى، عبَّر كل منهما فيها عن التزامه بموقفه.

إلا أن دخول سلطان باشا الأطرش على رأس قواته إلى دمشق في 30 أيلول 1918، إلى جانب ثوار آخرين دخلوها من محاور مختلفة، ليدخلها الشريف فيصل في 3 تشرين الأول 1918، مُخرجاً الحكم العثماني من سوريا، أنهى علاقة سوريا ككل بالدولة العثمانية، ما يؤدي إلى ترجيح أن يكون التحذير الذي وصل فهد الأطرش في ذلك العام، والذي دفعه للهرب، مرتبطاً باحتمال اعتقاله من قبل السلطات العثمانية؛ فيما يرجح الحدث الثاني، وهو استسلام الدولة العثمانية ذاتها أمام قوات الحلفاء، في الشهر ذاته، وطلب الصلح، واحتلال الحلفاء لاسطنبول في 13 تشرين الثاني 1918، أن يكون التحذير متصلاً بوصول قوات الحلفاء، وضرورة عودته إلى بلاده فوراً.

يقود هذا التحليل، بحسب آغا القلعة، إلى اعتماد ولادة أسمهان في 25 تشرين الأول/نوفمبر 1918 أولاً، خصوصاً أن صوت أسمهان كان صوت صبية صغيرة في الأسطوانات المسجلة العام 1932، ما يستبعد أن تكون ولدت العام 1912. وللحديث صِلة...