روان حلاوة التي أتقَنتْ أن تكون ريم بنّا.. لساعة

مروة صعب
الجمعة   2022/07/22
مشهد من "يا ليل ما أطولك"
"يسعد مساكو... انا مبسوطة كتير اني معاكو.. فخورة اني بيناتكو"...
ثم "يا ليل ما أطولك"، هنا ريم بنا مرة أخرى تخاطبنا من خلف الستارة في مكان ما.

تدخل الى مسرح المدينة -في الحمرا، حيث قضت ريم البنا وقتها في زيارتها الأخيرة، تبدأ المسرحية المونودرامية بأغنية "ياليل ما أطولك" كما اعتادت المغنية الفلسطينية الراحلة أن تبدأ كافة عروضها.

"يا ليل ما أطولك" رسالة ريم بنا الى العالم، كان من المفترض أن تجسدها بنفسها لكنها رحلت في العام 2018 قبل أن تفعل ذلك. المَشاهد الأولى تربك ذاكرتك، ذاكرة كل من عرف ريم بشكل خاص. للمرة الأولى الآن يمكن أن نجزم بأن ريم رحلت، وهناك من حمل لنا رسالتها لتخبرنا ما لم نعرفه يوماً، نحن من نرى ريم صوتاً وبندقيةً ورمزاً نضالياً.

هذه المرة حضر محبو ريم للسماع عنها، لا منها، خرجت الينا الممثلة والكاتبة اللبنانية المسرحية روان حلاوي، لتسلّم الأمانة، لمدة ساعة قدمت روان مونودراما من اخراج سليم الأعور، تضمنت مراحل مرت بها الفنانة الفلسطينية منذ بداية حياتها وزواجها السيء حتى اكتشاف اصابتها بسرطان الثدي وصراعها معه، ثم إصابتها بشلل الوتر الصوتي الأيسر الذي أفقدها قدرتها على الغناء لتفقد شغفها بالحياة.

تدور المسرحية في غرفة الجلوس في منزل والدة ريم بنا، تروي "ريم" بغصة رحلتها مع المرض، تعاتب وتغضب، وتصرخ، لا تمر كلماتها مروراً عابراً على مسامع الحاضرين. بلا أغنية، ظهرت هذه المرة ريم أمام العالم، رسالة امرأة عربية عاشت تحت وطأة الاحتلال، وما تعرضت له من عنف أسري ومعاناتها في مرضها. تنتهي المسرحية بموت ريم، اللحظة التي لن يستطيع أحد أن يخبرنا تفاصيلها، تتحرر صاحبة "تجليات الوجد والثورة" وترحل تاركة لنا صوتاً وفكرة وأغنية طويلة عن النضال.

كان من المفترض أن تؤدي ريم بنّا، المسرحية بنفسها، لكنها رحلت قبل أن تفعل، مسرحية "يا ليل ما أطولك"، هو مشروع ريم شخصياً، التقت روان مع ريم في آخر زيارة لها الى بيروت عبر أصدقاء مشتركين، وبعدما عرفت أنها ممثلة وكاتبة مسرحية أخبرتها عن رغبتها بخوض تجربة المسرح، لتقترح عليها حلاوي أن تمثل قصة حياتها. 19 رسالة صوتية أرسلتها ريم عن حياتها ومعاناتها وطفولتها وزواجها، إلى روان، حولتها الأخيرة الى عرض مسرحي كبير، اختصر ما خبأته ريم خلف صوتها وابتسامتها لسنوات. أثناء كتابة روان للمسرحية وصلها خبر رحيل الفنانة الفلسطينية، لتقرر بعد أربع سنوات أن تؤدي الدور بنفسها. نجحت روان بتجسيد شخصية ريم بحذافيرها بنبرة صوتها وعنفوانها وغضبها، أتقنت لهجتها بامتياز، لغة جسدها، أتقنت أن تكون ريم لمدة ساعة ونحن صدّقناها، رغم انه سلتزمك بضع لحظات في البداية، لتتقبّل أن هناك شخصاً آخر غير ريم يحكي بلسانها، لتتقبّل للمرة الأولى ربما أن صوت فلسطين قد رحل فعلاً.

(*) من المعروف أن ريم بنّا (1966 ــ 2018) عاشت حياتها  في مدينة الناصرة الفلسطينية، وكانت قد درست الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى في موسكو. وتخصصت في الغناء الحديث وقيادة مجموعات غنائية. وأنهت دراستها العام 1991. أثناء هذه المدة أصدرت ألبومين هما: "جفرا"، و"دموعك يا أمي". وتتالت بعد ذلك الألبومات، إلا أن أكثر ألبوماتها شهرة هو "مرايا الروح" الذي صدر في 2005، وفيه ذهبت بنا لتقديم رؤيا معاصرة للأغاني الفلسطينية. ورحلت بعد معاناة مع السرطان.