رحلة إفتراضية إلى زمن خوفو

روجيه عوطة
الأربعاء   2022/07/20
رحلة
الرحلة التي يأخذنا فيها معهد العالم العربي بباريس، إلى مصر القديمة، تنطوي على بُعدين. البُعد الأول زمني، ينقلنا الى وقت يعود إلى 2600 سنة قبل الميلاد، وتحديداً، الى عصر الفرعون خوفو، الذي أرسى حكمه خلال ما ينيف على أربعين عاماً، وبنى ما يعرف بأعجوبة من عجائب الدنيا السبع، أي هرم خوفو، أو على وجه الدقة، "أفق خوفو". من هنا، البُعد الثاني لتلك الرحلة هو البُعد المكاني، بحيث أنها تنقلنا إلى هذا الهرم، انطلاقاً من وقت بنائه إلى وقت نزول فرعونه فيه، وبينهما، تدخلنا إلى حجراته السرية.

بالطبع، هذه الرحلة ما كانت لتحصل لولا تقنيتها، فهي رحلة افتراضية، تلزم الذاهبين فيها وضع أقنعتها الفيديوية إذا صح التعريف، وبعد ذلك، يصطحبهم السرد إلى عصر خوفو وعنوانه. قد يكون من الضروري، في هذا السياق، الإشارة إلى أن السرد المرافق للرحلة يجعلها تدور معه، وهو موفق للغاية، أكان من ناحية وضوحه أو إيقاعه. فقد عمد إلى تقوية جانب من الرحلة، وهو جانبها التعليمي، بمعنى أنها لم تستقر فقط على جانبها الاستطيقي، بل تخطّت جماليتها إلى بيداغوجيتها. فتمد الرحلة هذه، الذاهبين فيها، بما يشبه تلخيصاً لتاريخ الفرعون خوفو، لتاريخ حكمه، الذي استطاع خلاله أن يكبر سلطة عائلته، ومعها، أرض دولته، بالإضافة الى خلق مراكز جديدة فيها، كمركز الوزير مثلاً. فليس صدفة أنه سمى هرمه أفقاً، فهذا يرتبط بكونه أراد لمِصره أن تشهد في وقت حكمه ترحيباً لأفقها، فضلاً عن كونه ربطها بمملكة أخرى، تقع بعد الموت، أي بمملكة الألوهة. فخوفو هو تجسيد رع في سدّة الحكم، وبهذا، جعل من حكمه حكم رع نفسه.


في هذه الجهة، يمكن القول إنّ الرحلة استوت على جو، ليس تاريخياً فحسب، بل أيضاً "ميتا" تاريخي. إذ إنها، وبنقلها الذاهبين فيها، إلى عصر خوفو، نقلتهم إلى عالم حيث التصقت السياسة بالألوهة، وقد عبرتهما بما يشبه طموح إلى ربط الأرض بالسماء، وهذا بواسطة جوف الأرض. ربما هذه مفارقة فرعونية، أن الجسر بين التحت والفوق هو أقصى القعر، إذ إنه على مسافة واحدة منهما. وفي هذا القعر، بنى خوفو حجرته، التي، وبحسب معتقداته، سيرتفع منها فوق الأرض، داخلاً السماء، وهناك، سيحارب على طول خط أفقها ما سيصادفه من أرواح يملأها الشر. خوفو، ومن خلال عمرانه الضخم، يطلق سلطته في الأرض، ومن خلال سفره في السماء، يمتن سلطة أخرى فيها، والسلطتان هما سلطتا خير إلهي يسقي النيل بمائه، ويزرع مصر بأحجار فيروز! لكن الرحلة لا تتوقف على عالم خوفو هذا، بل تقدّم المجمل من شعائره، لا سيما تلك التي تحيط بموت الملك، موت الفرعون. 

فقد خصصت الرحلة فصلاً مهما للغاية حول تحنيط الفرعون وشعائره. إذ إن خوفو، وبما أنّه يحظى بمهمة ألوهية بعد موته، فلا بدّ أن يبقى جسده نضراً، كما لو أنّ نهايته لم تحصل. لهذا، يبدأ التحنيط بتجويف الجثة ثم تمليحها قبل تلوينها، وبالطبع، لفّها بالكتان، وفي ما بعد وضعها في قبرها. التحنيط يحافظ على جسد خوفو لأنه بمثابة عربته إلى بعد الموت، إذ إنه، ومنها، سيستطيع محاربة الشر. الجسد، بحضوره الموتي هذا، يبدو باباً لكي ينتقل خوفو إلى ما هو قريب من بطولته الألوهية، لكنه أيضاً بمثابة طعام السماء ذاتها التي ينتقل اليها الفرعون بعد سيادته على الأرض. ففي حال كان القعر هو الجسر بين الأرض والسماء، فالجثة المحنطة هي الجسر بين العيش على الأولى والديمومة في الثانية. وبالاستناد إلى كلاهما، أي القعر والجثة، يحكم خوفو قبضته على أفقه أينما حلّ، أكان في السفلى أو في العليا.