"ذاكرة مدينة من ورق" لألفرد طرزي... بيروت الكاريكاتورية الهشّة

المدن - ثقافة
الخميس   2022/06/09
يصوّر طرزي العنف الدائم الذي يلاحق المدينة
تفتتح "أمم للتوثيق والأبحاث" في العاشر من حزيران/ يونيو في الهنغار تجهيز "ذاكرة مدينة من ورق" للفنان ألفرد طرزي، ويتوافق مع 9 حزيران اليوم العالمي للأرشيف التي تحتفي به "أمم" كل سنة. التجهيز وكما يشي عنوانه، هو بمثابة إعادة تشكيل لمدينة متخيلة ويستند على تاريخ فن صناعة الصورة وعلى نحو خاصّ  فن الكاريكاتور في لبنان.

المدينة  التي يستنبطها طرزي في إعادة سرديّته لهذا التاريخ هي حاضرة وهشّة في آن معاً، على نحو لا ينفصل فعليّاً عن حاضر بيروت اليوم. يستعيد طرزي في هذا التجهيز الذي هو نتاج تعاون مشترك ما بينه وبين "أمم" وهو بحسب تعبيره أشبه بتكملة للنقاش المستفيض حول التاريخ مع الراحل لقمان سليم، كمّاً هائلاً من أرشيف المجلات والصحف التي كانت تصدر في لبنان منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى ثمانينياته والتي يتخطى عددها المئة، حيث يعيد تشكيل مواد الأرشيف تبعًا لرؤيته الخاصة، ضمن بناء هندسي يعيد فيه تأويل العناصر المختلفة لهذه الذاكرة البصرية.

الأرشيف الضخم الذي يستند عليه هذا التجهيز والذي يعود إلى مصادر مختلفة منها "أمم" ومجموعة الفنان الخاصّة ومصادر أخرى، استغرق جمعه وتوثيقه سنوات عديدة، ويضمُّ مجموعات نادرة من أرشيف أبرز المطبوعات، نذكر منها: "الصيّاد"، "الدبّور"، "الهدف"، "ألف ليلة وليلة"، "المجالس المصوّرة"، "الجمهور الجديد" و"الشبكة". ويحتل فنّ صناعة الصورة والكاريكاتور خاصة وتطوره عبر السنوات، مساحة مهمة في تشكيل هذا المعرض، مبرزاً أعمال الرسامين الذين اشتهروا في حينه، مثل بيار صادق وستافرو جبرا ومحمود كحيل.

في بناء مدينته المتخيلة، يتبع ألفرد طرزي خط التسلسل الزمني، منذ ثلاثينات القرن الماضي إلى ثمانيناته، فتتوزع المواد المعروضة، ما بين أغلفة المجلات ورسوم الكاريكاتور التي أعاد طرزي إحياءها على طريقته، وغيرها من مواد الأرشيف النادرة التي أُنقذت، مع العلم أن الجزء الأكبر من الأرشيف المكتبي لهذه المجلات والصحف، وجراء ظروف مختلفة قد دمر أو فُقد بالكامل. وإن كان تجهيز "ذاكرة مدينة من ورق" غنيٌّ بجانبه التوثيقي، غير أنه يتجاوز التوثيق للعمل الفني الفريد في مقاربته والذي يتخذ من الذاكرة منطلقًا للتصوّر وإعادة تشكيل الرؤيا وقراءة التاريخ من زوايا مختلفة، تبرز أوجه الإلتباس ما بين الصورة والحقيقة، فعبر مختارات المواد المعروضة وآليّة هندستها البصرية، ينسج الفنان سرديته الخاصة، مبرزاً ما هو لافتٌ من التفاصيل التي تشكّل التاريخ البصري لهذه المنشورات وتاريخ صناعة الصورة وصلته بتاريخ لبنان عامة. ففي استعادته لذلك التاريخ البصري مقترناً باللغوي منه، يصوّر طرزي العنف الدائم الذي يلاحق المدينة. وإن كانت الطباعة برزت في حينه كوسيلة ثورية للحداثة ففي العود على تاريخها ما قد يمكّننا من استيعاب مفهوم الحداثة في حينه وكيفما تشكّل وتحوّل عبر الزمن. وقد يكون أكثر ما يشغل ألفرد طرزي في استعادته لهذا التاريخ ثيمتان أو ظاهرتان أساسيّتان: المرأة وتكريس صورتها مجازيا كمعيار لقياس مستوى الحريات وكل ما يرتبط بالحياة الجنسية مرورًا بمختلف الأوجه والأساليب الفنية واللغوية التي كان لها الدور في تكريس هذه الصورة، وكيف كان يجري استغلال هذه الصورة أيضا بهدف الترويج التجاري.

من جهة أخرى، ينصب أيضًا اهتمام طرزي على مسألة العنف الثوري، متمثلاً في النزاعات المسلّحة وأسلوب تناولها وتصويرها، وذلك عبر حقبات مختلفة من تاريخ لبنان وكيفما يتلاقى ذلك مع لغة الصحافة والإعلام اليوم. وبرغم قلّة القرابة المباشرة ما بين هاتين الظاهرتين إلا أنهما تتلاقيان في حجم التجاوزات المختلفة، التي ترسم معالم مشهد لبنان الحديث. من خلال إعادة تشكيل هذه الذاكرة الورقية للمدينة ضمن هذا البناء المدني الفني المتخيّل الذي يسيّره عامل الزمن والتحولات، التي طرأت وأدّت إلى تغير توجهات هذه الصحف أو إغلاقها حتى انقراضها. يضعنا طرزي في مواجهة تساؤلات مختلفة. فهو من خلال ذاكرة المدينة التي يعيد تجميعها ووصل أشلائها، يلقي الضوء على تاريخ المطبوعات في لبنان بخاصة تاريخ صناعة الصورة وفن الكاريكاتور لكن ذلك التاريخ أيضا يحثّنا على ضرورة التمعّن في أحداث الماضي والحاضر وآلية تكرار المقاربات واللغة ذاتها في مواجهات أزمات البلد، كالفساد والعنف وغيرها من المسائل مبرزا هشاشة العلاقة ما بين المدينة وذاكرتها التي أيضا تتخذ صفة الورقيّة.

(*) يفتتح المعرض السادسة من مساء الجمعة 10 حزيران 2022. ويستمر من الإثنين إلى السبت بين 11 صباحاً والسابعة مساءً لغاية 20 تموز، الهنغار – "أمم" (حارة حريك)، بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) والمورد الثقافي.