الكواليس المرعبة للغناء المصري...اختفاء إيمان البحر درويش وآمال ماهر

شادي لويس
السبت   2022/06/25
آمال ماهر
ينتمي كل من الفنانَين إيمان البحر درويش وآمال ماهر إلى جيلين مختلفين، وجاء الواحد منهما إلى عالم الغناء من خلفيات شديدة البُعد عن الآخر، إلا أن ما جمعهما معاً في النهاية هو مصيرهما المخيف، أو على الأقل الروايات التي تدور بشأنه. ورث إيمان تركة سخية، هي الانتساب إلى الجَدّ، فنان الشعب سيد درويش. وفي بداياته لم يذهب أبعد من تكرار أغانيه، بإيقاعات أسرع قليلاً ومع توزيعات أسهل على الأذن لعلها تواكب موجة الأغاني الشبابية. وكحال المواريث الكبرى، كان اسم درويش ظلاً ثقيلاً سيصعب على إيمان الهروب منه. ففنياً، سيظل إيمان أسيراً لتلك المقارنة، بحكم الوراثة وبحكم توليه مهمة الحافظ لسجلّ الجَدّ، أرشيفه الموسيقي الذي لم يحتج إلى حَفَظة أو حرّاس جدد كونه تراث وطنياً، أو بالأحرى موسيقى الوطن بالتعريف. ومع الفخر بهذا الانتساب، يمكن تلمس مرارة شعور بالظلم لطالما عبر عنه إيمان في صور شتى، التبرّم من عدم تقدير تراث جده والشكوى من عدم تقديره هو شخصياً. أما رئاسته لنقابة المهن التمثيلية، فستنتهي إلى سيل متصل من الأزمات، فبعد انتهاء ولايته، سيرفض إيمان الاعتراف بالانتخابات اللاحقة على منصب النقيب، وسيصر دائماً على أنه النقيب القانوني مع اتهامات بالفساد غير محددة الوجهة. 
أما آمال ماهر، فمن ناحيتها، لم تتسلم تركة عائلية، بل ميراثاً عاماً. في سن الثالثة عشرة، وفي العام 1999 وقفت آمال أمام الرئيس حسني مبارك ولفيف من رجال الدولة، في الصفوف الأولى، لتُحيي احتفالات عيد الإعلاميين. الصوت القوي ومعالم الرزانة التي لا تتناسب مع عمرها الصغير وهي تؤدي أغاني أم كلثوم، ستكون مبرراً لأن يصفها مذيع التلفزيون الوطني بـ"المعجزة الغنائية". وستقف مرة أخرى، بعد عامين، للغناء أمام مبارك، في افتتاح متحف "أم كلثوم. ستُنصَّب آمال وريثة لكوكب الشرق، في الإعلام الرسمي، من دون نجاح كبير خارجه. غلالة حزينة ستلحق بصورتها في الأذهان، بفضل الجدية الأقرب للتشنج المرتسمة على محيا مراهقة تقلد الست، وهي منتصبة أمام رجالات السلطة الهرمة. لوقت قصير، ستلتصق بها صفة "فتاة النظام المدللة"، وإن كانت الرعاية الرسمية لم تتجاوز الاستدعاء في المناسبات الرسمية وبعض الحفلات المتواضعة في قاعات الأوبرا. ستلحق بآمال لعنة الوراثة أيضاً، فتظل سجينة المقارنة الخاسرة بأم كلثوم، مقترنة بوصمة الارتباط بالسلطة. 

قبل ثلاث سنوات من اختفائه الراهن، أصيب إيمان بجلطة استدهت علاجاً على نفقة الدولة، وبعد تعافيه، تواترت تعليقاته بخصوص الشأن العام، والمتجرئة أكثر من اللازم. فغير الهجوم المتواصل على نقابة الموسيقيين وزملائه فيها، وجّه انتقاداته للسلطة وبالأخص رئيس الجمهورية، وأضاف إليها إعلاناً متكرراً عن رغبته في الهجرة من البلاد بسبب فرط الظلم والفساد. في آب/أغسطس 2021، كتب إيمان عدداً من المنشورات، دَان فيها تفريط النظام في قضية سد النهضة، ثم نشر مقطع فيديو مسجلاً، وهو يصدر ألفاظاً وأصواتاً بذيئة ضد السلطة. في اليوم التالي، نشرت نقابة الموسيقيين بياناً تبرأ فيه منه، وبعدها اختفى إيمان، وما زال مختفياً حتى اليوم. ورغم تصريحات ابنته المتكررة بأن والدها بخير، فإن الدلالة الوحيدة على مكان وجوده هي إشارة المحامي خالد علي، في مايو/أيار الماضي، إلى أنه رهن الاعتقال. 

تختفي آمال أيضاً، لكن في ملابسات أكثر غموضاً وقسوة. فبعد أخبار غير مؤكدة عن ارتباطها بتركي آل الشيخ، المقرب من البلاط السعودي، وانفصالها عنه بعد خلافات وصلت إلى بلاغات الشرطة، دارت الشائعات حول منعها من الغناء وتعرضها للتهديد والمضايقات، هي وأفراد أسرتها. في العام الماضي، أعلنت آمال اعتزالها مع تلميحات إلى ظلم لحق بها. ومنذ ذلك الحين، تظهر كل وقت وآخر روايات حول اختفائها قسراً أو سجنها، وفي الأيام الأخيرة اتخذت الإشاعات منحى أكثر مأسوية، بالقول إنها ترقد في أحد المستشفيات على مشارف الموت من فرط التعذيب الذي تعرضت له في سجنها. هنا أيضاً تتصدى نقابة الموسيقيين للمهمة، فتصدر بياناً ينفي الشائعات، لكن مضمون البيان يشير بوضوح إلى أن النقابة لم تستطع التواصل معها بشكل شخصي، وإن وصلتها تطمينات بشأنها من أفراد عائلتها. في السوشيال ميديا، لا يتعاطف الجميع. فآمال، كونها امرأة، مدانة بالضرورة. فهي، في نظر هؤلاء، إما تدّعي اختفاءها وتعرضها للظلم للفت الأنظار، أو أنها مختفية حقاً لكنها تستحق مصيرها، عقاباً على طمعها وجموح طموحها للارتباط بالسلطة وأصحاب الثروة.
 
في القضيتين، تصر الأجهزة الأمنية، التي ترصد كل ما يجري في الفضاء الرقمي ساعة بساعة، على تجاهل الأخبار المتدوالة لشهور، بلا نفي ولا تأكيد ولا حتى فتح تحقيق صُوري. والشائعات تنتشر فقط لأن مضمونها قابل للتصديق، أن نقد السلطة قد يعني الاختفاء، وأن المواطنين، حتى الأكثر شهرة، عرضة للبطش في أي لحظة ولأسباب لا تتعلق بالسياسة. والحزين أيضاً هو تأكيد هذا الروايات على القبول المستسلم بأن الدولة ومواطنيها مرتهنون للخارج وللثروة. تصمت الأجهزة الأمنية، لأنها ببساطة لا تخشى العقاب، أو أن الرعب الذي تنشره الإشاعات هو ما ترغب في ترسيخه. أما تواطؤ الصمت فيطاول الجميع، نقابة الموسيقيين والعاملين في الوسط الفني، بل والجمهور العريض.