ميشال عون إن تحسَّس..

رشا الأطرش
الجمعة   2022/04/29
أحد أرباب السلطة، يتحسس معاناة الناس. رأس من الرؤوس الكبيرة... وليست أي رأس! على أبواب الانتخابات، وفي عين عاصفة الأزمة، يتحسسها. وهي ليست أي معاناة، بل مأساة "جنى العمر"... وماذا يريد اللبنانيون أكثر من ذلك؟ الإحساس غذاء الروح.. والجسد فانٍ.

"تعويضاتي محتجزة في المصرف شأني في ذلك شأن كل اللبنانيين"، قال الرئيس ميشال عون خلال استقباله وفداً اقتصادياً اجتماعياً، "أنا أيضاً ضاع جنى عمري بعد نحو 60 سنة من العمل، وبالتالي، فإنني أتحسس معاناة الناس وأتفهّم غضبهم جراء المخاطر التي تهدّد مصير ودائعهم".

لا يُستهان بهذه النكبة. صدمة لم يفكر فيها أي منا من قبل، وقسوتها لا تُحتمل، على عكس الضربة التي تلقاها ملايين اللبنانيين بصدور حديدية. ستون عاماً من العمل، بين قيادة الجيش، والاستيلاء على كامل السلطة أواخر الثمانينات، وخوض حرب ضروس مع الجيش السوري قتلت العشرات من "شعب لبنان العظيم"، وأصيب فيها المئات، مدنيين وعساكر، حرب طحنت بيروت الغربية، وأخرى في الشرقية، ثم المنفى "الإكسبرس"، وقيادة تيار سياسي معارض، ثم العودة، والتطبيع مع نظام بشار الأسد والتحالف مع "حزب الله" وتغطية حرب تموز، وحيازة كتل برلمانية كبرى وحصص وزارية، وأخيراً رئاسة الجمهورية بعد طول تعطيل ومساومة...

لا بد أن كلام فخامته يثلج قلوباً لبنانية كثيرة.. وكفى الله المواطنين شرّ الغضب والخوف والمُطالبة بكامل المسؤوليات والمُحاسبات لاستعادة ما هو لهم أصلاً ولا ذَنْب لهم في تحوله بخاراً فوق طنجرة الفساد والهدر و"الهندسات". وهو مثله مثلهم، أليس كذلك؟ تجمعهم المصيبة، لكنها على الأرجح ليست المصيبة نفسها. أحجية البيضة والدجاجة مجدداً: مَن يكون مصيبة الآخر؟ وبأي ثمن؟

لكن، فلنتكلم جدياً، ما الذي يعوض خسارة سنوات وسنوات من العمل وتعويضات نهاية الخدمة والادخارات، أكثر من مسؤول كبير ينزل إلى مستوى الفرد-المواطن ليقول أنه، مثله، طُعِن في مدخراته وحصيلة كدّ وشقاء وأحلام؟ ما الذي يجعل للصراعات السياسية والمصلحية والعائلية نكهة الحقّ، إن لم تكُن المظلومية الشعبية التي يلتحف بها، مثل عَلَم لبنان، رئيس العهد الأقوى على مصالح الناس في تاريخ بلادهم الحديث؟ السلطة والنفوذ والمحاصصة، وشلّ البلاد مراراً وطوال أشهر، من أجل جزء أكبر (تحقق فعلاً) من الكعكة... هذه في بنك المعنويات، بل إنجازات النضال والثبات على المبادئ، لا تُصرَف ولا تُصرَّف ولا تُحتسب من رأس المال.

والرئيس شخصياً يُطالب لمواطنيه برأس كبيرة أخرى، صودف أنها تعترض طريقه هو أيضاً: حاكم مصرف لبنان. والرئيس نفسه يحث على استكمال المشاريع اللازمة لاستكمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، رغم الملاحظات "المشروعة"، لكنها يجب ألا تعيق "التقدّم". وإن لم تكن هذه الإصلاحات تقدماً، فماذا يكون؟ النزاهة والصدق والتغيير ترف لا قِبَلَ لنا به في موسم الجراد، فليفهم مفاوضو صندوق النقد مع مَن يتعاملون، وليفتحوا أدمغتهم للصيغة اللبنانية.

تكسر القلب عبارة رئيسنا. رجل في عمره الذهبي، الماسيّ، وقد خسر مستحقاته، ضمانة أيامه المتبقية: من الدولة التي يتشارك الجلوس على قمتها مع شركائه في الوطن.. من المصارف التي يحوي تياره اثنان أو ثلاثة، على الأقل، من كبار مؤسِّسيها وموظفيها... من الأزمة التي تسبب في نصفها، على الأقل، هدرُ وزرائه. ربما علينا أن تكتفي بهذا العزاء. بل وربما علينا أن نجمع من بعضنا البعض ما يعوّض مُصابَه. وإن لم نستطع، فلتكن صكوكاً عاجلة في الانتخابات تُقرّش في أسهم "الجمهورية" عطايا ترضية... على الأقل!