ندى البستاني والساحرة والأبوية الدائخة

رشا الأطرش
الجمعة   2022/04/15
(الصورة من "تويتر" ندى البستاني)
"كل حكاية من حكايات الجنّيات بحاجة إلى شرير جيّد".. متمكّن، أزرق النّاب، والأهم: قوي، قوي، قوي... وإلا فلا نجاح للدراما، ولا ظِلال للأخيار.

Every Fairytale Needs A Good Villain.. العبارة مطبوعة على بلوزة وزيرة "التيار الوطني الحر" السابقة للطاقة والمياه، ندى البستاني. والصورة نشرتها في حسابها في "تويتر"، مع رندلى جبور، صقر إعلام "التيار" الذي استقالت منه "لأسباب شخصية"، لكنها، قبل أسابيع، انتُخبت (مجدداً) نقيبة للعاملين في الإعلام المرئي والمسموع.

وفي الصورة، امرأة ثالثة. "ماليفسنت"، الساحرة القهرمانية مُضطهِدة "الجميلة النائمة". إسمها بالإنكليزية معناه: مصدر الأذى والخراب، لا سيما بالقدرات الخارقة.

ندى البستاني هي مرشحة "التيار" في الانتخابات النيابية عن كسروان التي، في غالبية المواسم الانتخابية، تُعتبر من أمهات المعارك. وفي الموسم المرتقب، تبلغ نسبة المرشحات النساء 15% من أكثر مِن ألف مِن المُرشحين. نسبة مرتفعة مقارنة بالعام 2018، وندى إضافة نوعية، خارقة أيضاً، حينما عزّ الظهور النسائي بلا زوج أو شقيق أو أب، وإلى حد أقل بكثير، حزب. لا يقولنّ أحد "بيّ الكل". فندى اليد اليُمنى لليد الضاربة. جبران باسيل. والأبوية هنا تصاب بالدوخة.

هي التي كانت وزيرة "التيار" للطاقة والمياه العام 2019، عندما بدأت الأزمة المالية والانهيار اللبناني الشامل، وقامت ثورة 17 تشرين ضد المنظومة الكاملة... وفشلت، نامت، جميلة صاحبة حقّ.

ندى البستاني، وَصلة في سلسلة من وزراء الطاقة العونيين منذ رأس الهرم، باسيل، العام 2009. يقال إنهم باتوا خارجها. لكن المقولة هذه تجلس جنباً إلى جنب في الصالون السياسي مع مقولة "ما خلّونا"، فيما أكثر من 45 مليار دولار هدر في قطاع الكهرباء، أي نحو نصف الدَّين العام، تؤدي دور مُضيفة "جيدة"، "ماليفسنت" تدور بصينية القهوة على الجميع... وفي التلفزيون جبران باسيل، وزيراً لخارجية لبنان في نيويورك، يومئ لنظيره الإماراتي بتلك الحركة "الجيّدة" عن "كارولاين"... كارولين زيادة، القائمة بأعمال بعثة لبنان في الأمم المتحدة، العاملة في السلك الدبلوماسي قبل باسيل بسنوات. والكفاءة، كفاءة النساء، في القاموس العَوني، تضارُب مَعانٍ.

ندى البستاني مرشّحة للنيابة. مرنة، انسيابية، تخرج وتدخل بيُسر عبر الأبواب الدوّارة. "التيار"، ثم الوزارة -البرتقالية لردح من الزمن- ثم المقعد النيابي الذي تستحوذ عليه بعد طرد تياريين قدامى وذوي باع وشعبية باتوا مضطرين لتجييرها إلى مَن اختاره القائد. من الوزارة التي تحظى بالقدر الأكبر من حنق اللبنانيين وغضبهم، في عتمة بيوتهم، وفي جيوبهم المنهوبة بالدَّين وفواتير المولدات، وفي وعيهم الكامل والعاجز أمام مجلّدات من حكايات الفساد في جهنم الجنّيات... إلى مقعد تشريعي، يفترض أنه يمثل الشعب في مقارعة السلطة وضبط أدائها ومحاسبتها. قصة "جيدة" لانتصار امرأة. امرأة عَونية. لا تناقض.

وندى عصامية، كعصامية باسيل نفسه، الشاب الذي صعد مناضلاً في صفوف "التيار"، ثم تزوج ابنة زعيمه. وهي باسيلية أكثر منها عَونية. تقول في مقابلة مع مجلة "لها" أنها، بعدما تخرّجت في الجامعة اليسوعية في بيروت وسافرت لإكمال دراساتها العليا في باريس حيث عملت في مكتب استشارات لقطاع الطاقة، "قرأت في الصحف" أن وزير الطاقة الجديد في لبنان جبران باسيل يعمل على خطط للطاقة والمياه، فعادت إلى لبنان للعمل في مجال الاستشارات والتنظيم لصالح الوزارة، ثم عُيّنت بعد تسع سنوات، أول وزيرةً امرأة للطاقة والمياه في لبنان... العِبرة؟ لا تستهينوا بما لقراءة الصحف أن تحققه.

قوية ندى البستاني. ملفاتها، مع زميلها في التوزير سيزار أبي خليل، جاهزة على الدوام. النائب حسن فضل الله، مثال يُحتذى، و"التيار" يسبغ على النهج نكهته الحقوقية. وماهرة، ندى البستاني، تركل من جهة، وتصافح من جهة ثانية. تلاحق قضائياً صحافيين نابشين في مغارة وزارة الكهرباء، ثم تدعوهم إلى مُناظرة علنية، لتبادُل القرائن والمستندات. ونابُها الأنثوي مسنّن، كما يجب. تقول في المقابلة مع "لها" أنها، عندما تسلّمت عملها الوزاري، كانت حاملاً بطفلتها الثانية، وكان زملاؤها في مجلس الوزراء يقاطعونها ويحاولون منعها من الكلام، "وكنت بأسلوبي الخاص، وبكلّ تهذيب واحترام، وبابتسامة عريضة، أصرّ على شرح فكرتي حتى النهاية". فالتهذيب العَوني مشهود. وهي، إذ حضرت بكفاءتها كمستشارة سابقة لباسيل ومؤتمنة على أسرار وزارته الأثيرة، أجادت فرض نفسها بقوة الإقناع.

هذا سِحر الساحرة الإضافي. ومثال آخر مُعبّر يتمثل في العطل الذي أدى، قبل أيام، إلى انقطاع الكهرباء عن منطقة جونية ومحيطها. اتصلت ندى بمؤسسة "كهرباء لبنان"، ووُعِدت بإصلاح العطل، وعادت الكهرباء فعلاً بعد ساعات. شكرت المؤسسة على التجاوب "وهيدا دليل انو الأمور بتنحل بالحوار والاحترام ومش بالتصعيد والشعبويّة الانتخابية"، حسبما غرّدت وزيرة الطاقة السابقة التي تدحض اعتمادها على "مَونة" قديمة، بل تصرّ على فعالية الحوار، مهما قيل إنها ما زالت تشرف على ملفات الوزارة من خارجها، وأن الوزير الحالي، "الدكتور" وليد فياض، لا يقطع أو يَصِل سِلكاً، إلا بالتنسيق معها.. وإن كان سيّد نفسه في اختيار مطلع الأغنية التي سيرندحها كإجابة على أسئلة الصحافيين.

ندى البستاني، المستشارة والوزيرة والمرشحة، قصة فرعية ناجحة، تحتاجها خرافة الاستحقاق الديموقراطي الذي يترقبه اللبنانيون.