"صالون التشكيل اللبناني".. نفي "الأنا" وبث الشجاعة في الآخر

محمد شرف
الإثنين   2022/12/05
لبّينا دعوة "صالون الفن التشكيلي اللبناني" في معرضه الأول، الذي أُقيم في قصر الأونيسكو. تضمن المعرض 35 عملاً تصويرياً لرسّامين ورسامات، عددهم يقارب عدد الأعمال المعروضة. بعض هؤلاء، وربما غالبيتهم، كان استحصل على شهادة الماستر في الفنون، وقلة أخرى يتابع أفرادها دراستهم من أجل نيل الشهادة المذكورة، بعدما كان واحدهم استحصل على دبلوم في الفنون البصرية – التصويرية من معهد الفنون الجميلة.


(بتول خير الدين)

استمر المعرض ثلاثة أيام فقط، إذ أن صالة الأونيسكو سارت على هذا النهج من حيث المدة القصيرة، لأسباب تقنية، لكن المعرض شكّل مناسبة للتعرّف على إرهاصات هؤلاء الشباب والشابات، الذين ربما يعرض بعضهم أعماله في تظاهرة تجمع أطيافاً عديدة للمرة الأولى.

وللمناسبة، لا بد أن نذكر أن الفترة الأخيرة، منذ بداية الصيف الذي مضى وحتى هذه اللحظة، كانت حفلت بالعديد من المعارض الجماعية، ارتبط بعضها بمواسم سياحية، أو بمناسبات مبتكرة من كل نوع، وأقيمت في الهواء الطلق بعض الأحيان. هذا النوع من المعارض لم يولِ أهمية واضحة لمسألة المستوى الفني، لذا، فقد اختلط فيها بعض الإحتراف النسبي مع الكثير من عدمه. لكن تبقى هذه النشاطات عبارة عن فرصة لمن لن يُتاح له عرض نتاجة في إحدى الغاليريهات، التي صارت تتعامل مع هذه المهمة بكثير من التأني والحذر.


(عباس منصور)

عرض صالون الفن التشكيلي اللبناني لا يخرج بدوره عن هذ النوع من التظاهرات، التي توفر مناسبة لعرض نتاج فني يحمل في طياته ميولاً وإتجاهات مختلفة. لكن الفرق بين الحالة الأولى والثانية هو أن رسّامي صالون الفن التشكيلي ليسوا من الهواة، بل من الشباب الذين اختاروا الفن حرفة من شأنها أن ترافق صاحبها مدى الحياة، إذا ما تحلّى بالإقتناع المتين والصبر، وتسلّح بالمثابرة، ومارس "الجهاد" من دون كلل، ولم تثنه الظروف عن هجر هذا السبيل الذي لا يشك أحدٌ في صعوبة مسالكه ووعورتها، خصوصاً في هذا الزمن الإستثنائي من حيث رداءته. على أن هذا الفن الشبابي لم يصل كلّه بعد إلى خيارات واضحة ونهائية، أكان من حيث إتباع خطى هذا التيّار أو ذاك، أو من حيث الخيار الأسلوبي المكتمل، وهي مسألة طبيعية في حالات كهذه.

هذا الحكم لا يقلل، في طبيعة الحال، من قيمة ما شاهدناه، آخذين في الإعتبار أن هذه ليست سوى الخطوات الأولى، وربما أكثر من الأولى، في مسيرة شاقة، كما تفيدنا التجارب.


(زينب فرحات)

هذا، وقد وجدنا أنفسنا أمام محاولات لا شك لدينا في أنها على درجة كافية من الجديّة في التعاطي مع العمل التشكيلي. فالرسامون الشباب، وقد يكون من المناسب القول "الرسّامات"، في حال اعتمدنا الصفة بناء على "القانون الأكثري"، إذ أن غالبية العارضين هنّ من الإناث، وهذه مسألة ربما ينبغي العودة إليها في تحليل مستقل، نقول إن العارضين/ات شاؤوا أن يقدّموا أفضل ما لديهم، وذلك ضمن معرض جماعي مختلف من حيث الدرجة العلمية – الفنية للمشاركين فيه، كما من حيث عددهم.

لا ريب في أن أعمالاً عديدة استرعت إنتباهنا، وإذا كان من الصعب الإحاطة بها في مجملها، فلم نجد بداً من إتباع أسلوب إنتقائي. لذا، إخترنا، على سبيل المثال، عمل عباس منصور الذي أطلعنا على أعمال أخرى من خلال بعض الصور، فلفتتنا محاولاته الناجحة في سبر أغوار اللون، التي تشي بأفق تشكيلي واعد، ستتحدد معالمه بوضوح مع الأيام. زينب دندش طرّاف كان عرضت أعمالها منذ فترة في "بيت بيروت" – السوديكو، وأتينا على هذه الأعمال في مقال سابق في "المدن"، أثنينا فيه على المزج الموفق بين اللون والعناصر الزخرفية التراثية، كما العمل على موضوعات لصيقة ببيئة الرسّامة. الناظر إلى لوحة بتول خير الدين سيخطر في باله مارك شاغال، لكن هذا الأمر لايعني أن الصانعة عملت على تقليد أسلوب الفنان البيلاروسي – الفرنسي المعروف، بل أن عملها يعلن عن موهبة في مجال اللون، كما عن مد شعوري طاغ، وهي عوامل لا بد من أن تتطور لاحقاً.


(نور نور الدين)

لوحة زهراء رسلان تنتهج النمط التعبيري. المقصود هنا هي التعبيرية الحديثة، التي إلتصقت، تاريخياً، بالفنانين الألمان في النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان اللون الإصطلاحي أحد مفاصلها، ورفض العاهات الإجتماعية – السياسية واحداً من مرتكزاتها. هذ، علماً أننا نلحظ في عمل رسلان ما يشبه مدينة مهشّمة، كما هي أحوالنا جميعاً في الفترة الراهنة. عمل نور نور الدين تعبيري بدوره، لا يهمل اللون، ويعمد إلى تحوير الشخصية الإنسانية، سيراً على مبادىء التيّار المذكور، من دون أن يلتزم خطوطاً جامدة، إذ لا قوانين تصلح نصوصاً في الفن، كما هي الحال في علوم الرياضيات. عمل علي عبود أقرب إلى التمثيل الواقعي، إذ أن وجهاً توسّط قماشته، من دون أن يكون نصفا هذا الوجه متشابهَين من حيث القوة اللونية، علماً أن العمل مونوكرومي النزعة، ويحمل أبعاداً رمزية. هذه البعد الرمزي نراه أيضاً في لوحة زينب فرحات، مع الإشارة إلى أنها تروي فيها قصة قد يكون للأسطورة مكانة فيها، إضافة إلى الميل الرمزي الذي ذكرناه سلفاً.

الخلاصة، نحن أمام توجهات مختلفة، ومحاولات متنوّعة، لا بد أن العديد منها سيفضي إلى مرتكزات أكثر وضوحاً مع الوقت. المهم في المسألة هو أن الحماسة حاضرة لدى الجميع، كما الغيرة على الآخر، لا الغيرة من الآخر، كما هي الحال في هذا المجال، على ما نلاحظ عادة. الرسّامون العارضون ينفون "الأنا"، ويعمل واحدهم على بث الشجاعة في نفس الآخر، كما يقدّر نتاجه، ونتمنى أن يبقى هذا النهج متّبعاً مع مرور الأيام، لا أن تطغى عليه شوفة الحال والكبرياء الفارغ.