تتحدث بجرأة عن فاجعتها الأسرية.. صفحة من مذكرات صباح

أشرف غريب
السبت   2022/11/26
صباح
بين ضفتي تشرين الثاني/نوفمبر عاشت الشحرورة صباح 87 سنة مليئة بالصخب والضجيج، ربما بصورة لم يعرفها أي فنان عربي آخر. فقد ولدت جانيت فغالي في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1927، وغادرت دنيانا في 26 من الشهر نفسه العام 2014. هذه الحياة الصاخبة سجلتها صباح أكثر من مرة في مذكرات لها، وهي أيضاً الوحيدة التى تحولت سيرتها الذاتية إلى مسلسل تلفزيوني وهي على قيد الحياة، وقد كتبت صباح مذكراتها للمرة الأولى على مدار ثماني حلقات لمجلة "الكواكب" القاهرية، بداية من 21 نيسان/أبريل 1959 وحتى 9 حزيران/يونيو من العام نفسه، بعد أربعة عشر عاماً من ظهورها اللافت فى فيلمها الأول "القلب له واحد" سنة 1945 أمام الممثل أنور وجدي ومن إنتاج مكتشفتها السيدة آسيا داغر.

هذه الأعوام كانت كفيلة بإنضاج تجربة صباح الفنية بـ43 فيلماً وضعتها فى مقدمة الصفوف الأولى بين نجمات جيلها بمتوسط ما يزيد على ثلاثة أفلام فى العام الواحد، وهو رقم لو تعلمون عظيم بالنسبة لمطربة ممثلة يضم كل فيلم لها ما بين ثلاث وخمس أغنيات، وتحتاج للتجهيز والتنفيذ شهوراً. وكان العام 1959، الذي شهد كتابة المذكرات، هو عام العلامات الفنية الكبرى لصباح، فهو عام "الرجل الثاني" أمام رشدي أباظة وإخراج عز الدين ذو الفقار، وعام "العتبة الخضراء" أمام أحمد مظهر وإسماعيل ياسين وإخراج فطين عبد الوهاب، وهو أيضاً عام تجربتها الإذاعية الأولى في حلقات "عزيزة ويونس" المستوحاة من السيرة الهلالية، وقبل أشهر قليلة من تجربتها المسرحية الأولى "موسم العز". أما على المستوى الشخصي فكانت قد تزوجت ثلاث مرات، وأنجبت ابنيها صباح نجيب شماس وهويدا أنور منسى، وتعيش حالة من عدم الاستقرار الأسري روت عنه الكثير في تلك المذكرات.

ورغم تعدد تجارب صباح مع كتابة المذكرات، تبقى لتجربتها في مجلة "الكواكب" المصرية سنة 1959 أهمية خاصة. أولاً لأنها كانت المحاولة الأولى من جانب صباح لتسجيل مذكراتها الشخصية، وثانياً لأن صاحبتها كانت في الثانية والثلاثين من عمرها وقت كتابة تلك المذكرات، ومن ثم كانت بكامل تركيزها واتقاد ذاكرتها بعكس بقية تجاربها الأخرى مع المذكرات، وثالثاً لأنها كانت الأجرأ والأكثر مصداقية بحكم اقتراب توقيت كتابتها من الأحداث التى مرت بحياتها، وهاكم المثال على ذلك:

تقول صباح في الحلقة الخامسة من مذكراتها الأولى والمنشورة بتاريخ 19 أيار/مايو 1959 تحت عنوان "أخي قتل أمي المسكينة": "...لقد رأيت مصرع أمي في أحلامي، فكنت أقوم من نومي فزعة ويسألني زوجي في كل مرة: مالك يا صباح؟ فأقول له شفت حلم فظيع، شفت أمي ميتة، وهي غرقانة في الدم وأخي أنطوان يغسل يديه في دمها ـ فكان يسمع مني ذلك ويطيب خاطري ببضع كلمات ليجنبني الخوض في مثل هذه الأمور التي أشغلتني وأرقتني كثيراً، فأنسى ذلك مؤقتاً إلا أن هذا الحلم الفظيع تكرر أمامي في أكثر من حلم، ولم يعد قلبي يتحمل، فاشتد بي الحنين، واشتد شوقي لرؤية أمي الحبيبة، وأحسست بشعور غامض مبهم عن شيء قد حدث يخفيه الناس عني وتفضحهم عيونهم به، وفي ذات صباح من شهر سبتمبر 1947 قررت السفر إلى لبنان، فوافق زوجي على السفر بعد عناد كبير لم أعرفه عنه من قبل، وفي طريق البحر عادت الأحلام المفزعة تؤرقني حتى كانت ليلة، رأيت تجاوب الخواطر في أحلامي، فصارحت بها زوجي فما كان منه إلا أن صارحني بالحقيقة شيئاُ فشيئاً، وقال لي أن كل ما رأيته في الأحلام كان صحيحاً، ثم روى لي الحادث الذي أخفاه عني مدة شهرين كاملين".

وتمضي صباح في مذكراتها لتقول بعد أسطر عديدة: "والقصة كما حدثت، رأى أخي والدتي في بعض مجالسها ومعها رجل غريب فظن أنها على علاقة غير شريفة بهذا الشخص، وكان بعض الجيرة يحقدون على أمي لأنها جميلة وطيبة وتعيش عيشة يسر ورخاء، فوسوس بعضهم في أذن أخي بأكاذيب باطلة أذهلته وجعلته لا يحس ولا يدري ما يأتيه، كما ساعدوه على إحضار مسدس ومهدوا له سبيل القتل، وقام فعلاً بتنفيذ الجريمة، فأفرغ الرصاص في قلب أمي وفي قلب هذا الغريب وفي قلبي وهو لا يدري... ونظراً لأن ما أتاه أخي جريمة فقد فر هارباً وعمل بعض المعارف على تهريبه إلى البرازيل، وهناك تزوج وأنجب".

وتنهي صباح كلامها في هذه الحلقة من المذكرات بالحديث عن الأثر الذي تركته هذه الحادثة في نفسها والأوقات العصيبة التي عاشتها في تلك الأثناء، لكن تبقى مجموعة من الملحوظات والتأملات حول هذه الصفحة من مذكرات الشحرورة:

أولاً: امتلكت صباح قدراً كبيراً من الجرأة في اعترافها بتلك الفاجعة وفي تفاصيلها المثيرة، أو قل أن الذي نعتبره اليوم جرأة كان مجتمع الخمسينيات منفتحاً على تقبّله من دون تربص أو استهجان، ومن ثم لم تجد صباح غضاضة في ذكر ما وقع لأمها على يد شقيقها.

ثانياً: اختلفت تفاصيل ما جرى بعض الشيء عما جاء في مسلسل "الشحرورة " الذي عرضته الفضائيات قبل سنوات، رغم أن صباح نفسها هي التي كانت ابتاعت للجهة المنتجة تفاصيل حياتها، فقد ذكرت الحلقات أن رجلاً منحرفاً كان دائم التعرض لشقيقة الأم فحاولت والدة صباح التدخل لإنقاذ شقيقتها من هذه الملاحقة، فظن الابن أن شيئاً بينها وبين هذا الرجل، فأطلق عليهما النار في إحدى المرات التي رآهما فيها معاً، وقامت الأسرة بمساعدة صباح وزوجها بتهريبه إلى البرازيل.

ثالثاً: تنضم هذه الفاجعة إلى بقية الفواجع التى مرت بصباح وخاصة في سنواتها الأولى، ومن هذه الفواجع التي أتت على ذكرها في تلك المذكرات مصرع شقيقة لها برصاصة طائشة وهي في حدود الحادية عشرة من العمر.