"ارفع الحجاب عن وجه حبيبي الجميل وشعره"...غزليات صوفية للخميني

ترجمة أزدشير سليمان
السبت   2022/10/08
كُتبت الغزليات التالية لروح الله خميني بين العامين (بالميلادي والهجري) 1365/1986 و1367/1988. وهي مأخوذة من Bada-ye c eshq: Ashcar-e (خمر الحب: غزليات صوفية لفضيلة الإمام خميني)[1]. وتتضمن هذه المجموعة 23 غزلية، وعدداً من الرباعيات وبعض المواد الأخرى.

وعندما يتناول المرء الغزليات الفارسية، أواخر القرن العشرين، فإن المناخ الفكري، وحتى السياسي والثيوقراطي، الذي نعيش فيه الآن يدعونا لطرح العديد من الأسئلة. هل أتقن الشاعر المعاصر وطبق المتطلبات الشكلية التي تحكم الأسلوب ما قبل الحديث؟ هل تقتصر القصائد على الموضوعات التقليدية مثل الخمر والربيع والحب غير المتبادل من جميع جوانبه أم أنها تستكشف مجالات جديدة ذات صلة اجتماعية أوسع؟ هل يتبع  الشاعر المعاصر الشعراء السابقين أم يتفاعل معهم؟ أخيراً، ما علاقة الشعر بحياة الشاعر؟

في ما يتعلق بغزليات آية الله خميني الصوفية، يمكن للمرء أن يجيب على الأسئلة الأولى بسهولة: فهي مكتوبة بأسلوب كلاسيكي مقتدر، متقن، كان من سِمات أواخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مع بعض الاقتباسات المباشرة من حافظ، الشاعر الفارسي من القرن الرابع عشر والذي غالباً ما قُلدت غزلياته من قبل الشعراء اللاحقين. يُظهر النمط الكلاسيكي المتأخر بعض آثار sabk-e hindi (النمط الهندي أو الصفوي) على الرغم من أن هذه الآثار ليست بارزة جداً في هذا الشعر.

وتتبع الغزليات التي بين أيدينا النماذج الكلاسيكية في أسلوبها وخطابها في المديح، والشوق الإيروتيكي، والتأثير، وتعرض مجموعة من الشخصيات ومجموعة متنوعة من الأماكن المألوفة منذ نصف ألفية من الشعر الصوفي. وتقدم غزليات "آية الله" الصوفية، مفارقة توضح الطبيعة التقليدية لهذا الخطاب. هنا شِعر فردٍ ذي إنجاز وسلطة روحيتين عظيمتين، وهي سلطة تتمظهر ليس فقط في تعليمه ووعظه وكتابته، لكن في حياته العامة نفسها والتي أصبحت سياسية بشكل متزايد. وبغض النظر عن قابلية الإنسان للخطأ، من الصعب أن نتخيل أن آية الله الخميني يقوم فعلاً بكل الأشياء التي يبدو أنه يتوق إلى فعلها في غزلياته. إن مصدر هذه المفارقة ليس مجرد خلق "شخصية" لقول القصائد. فبالإضافة إلى الابتعاد التقليدي لشاعر ما قبل العصر الحديث عن الإبلاغ عن التجربة المباشرة، فإن هذه الغزليات تستحضر تقليداً بلاغياً كاملاً لإلقاء الشعر الصوفي في أدب طبقة البلاط، وهي طبقة المجتمع ذاتها التي ينبذها الشاعر الصوفي، من باب أولى آية الله خميني، ويدينها.

يلتزم الشاعر بأمانة بالمعايير الأدبية السابقة للحداثة الخاصة بالشعر الصوفي، والتأكيد القوي على الشكل المُشار إليه هنا يعزز الادعاء بأن المتطلبات الشكلية الصارمة هي فرصة لتحرير الشاعر وليست سترة مقيدة له. من الممكن أن يجد الشخص الملتزم بالجوانب الشكلية (وكذلك الداخلية) للإسلام، كما كان آية الله، أسلوب الشعر الصوفي الكلاسيكي وسيلة مناسبة للتعبير عن مشاعره الصوفية، والتي غالباً ما تكون متناقضة بطبيعتها. انضم آية الله خميني إلى شاه إسماعيل وناصر الدين شاه والعديد من حكام بلاد فارس الآخرين الذين كتبوا الشعر. تجسد قصائده روابط متعددة لتقليد يربط الحاضر بالماضي. يؤكد شِعره على قوة التقليد، وليس من المستغرب إذا ما بدا أنه يتجاهل قرناً من التحديث والتغيير الشعري في بلاد فارس.

تحتاج هذه الغزليات إلى وقفة تحليلية أطول من حيث تاريخها، إذ إنها مكتوبة في وقت كان خميني قد ربا فيه على الثمانين، وربما كان قد استشعر النهاية، وتغلب فيه الإنسان والشيخ على المُنظّر والعقائدي الصارم، لدرجة أننا نلمح بعض تجديف في متون بعض هذه الغزليات، ومن حيث صلتها بالخراب والمرارة والهول الذي خلفه الصراع الايراني العراقي الأمر الذي يتمرأى واضحاً أيضاً في بعض هذه الغزليات.

أخيراً، ليست هذه الغزليات، بما تنطوي عليه من أشواق ورغائب وصبوات وتهتكات، ببعيدة ربما عن النيران التي تندلع في إيران الوقت الحاضر. فصورة آية الله خميني ذاتها، وهو الذي شيد واحدة من أعتى الإيديولوجيات الإسلامية الأرثوذكسية في العصر الحديث، تمزقها وتتنازعها صبوات ورغائب شباب يتوق، كما تاق خميني ذات مرة في غزلياته، إلى تحطيم القضبان وتمزيق الحجب والعمائم. وربما الاطلاع على هذه الغزليات اليوم، كعمل بحثي أنثروبولوجي وأرشيفي، ثقافي وسياسي وتاريخي، يساهم في فهم الصورة الإيرانية الأعمق، تاريخها وثقافتها وتطورها، من "الأب المؤسِّس" لنظام ديني حديدي، إلى الثائرات والثائرين الآن في وجه هذا النظام ورموزه. 

 

-حياتي آلت إلى خاتمتها

وحبيبي لم يأتِ بعد

 حكايتي انتهت ولم ينتهِ حزنُ القلب هذا

 

-كأس الموت في يدي

لكني لم أحظَ بكأس نبيذ

السنون تمر

لكن منة من حبيبي لم تأتِ بعد

 

-طائر روحي لم يعد يرفرف في هذا القفص

وحبيبي، من سوف يحطم هذي القضبان، لم يأت

 

-من يعشقون وجه الحبيب كلهم غفل

أما المشاهير فلم يتنكبوا هذا العناء

 

-عشاق وجهها، كقافلة، اصطفوا منتظرين

من يسمعني، يا حسرتي، فحبيبي قوت روحي لم يأتِ بعد 

 

-هذا الحب يعطي الحياة للموتى ويأخذ أرواح العشاق

حتى الوثنيين لم يعتقدوا بقتل العشاق

 

تموز 1987

 

-بُشرى يا طائر المرج، حل الربيع من جديد

موسم الشراب والتقبيل والعناق حل من جديد

 

-مضى وقت الذبول والحزن

وأيام مداعبة الحبيب عادت من جديد

 

-الموت والدمار انصرما

والحياة، بتشكيلاتها الرائعة اللامتناهية، عادت مرة أخرى

 

- الشتاء الشاحب لملم أردانه وغادر المرج

وهي ذي البراعم تستحم في ضوء الشمس

 

-الحمالون، الخمارات، المنشدون والرقصات عادت

للاحتفال بخصلات الجمال المجعدة

 

-حبذا لو تخبر الشيخ، إذا ما مررت بفناء المدرسة

أن ينظر في جمال الخزامى

 

-ولتفسح العفة الطريق جانباً في هذا الموسم السعيد

فشغاف قلبي تصبو إلى أوتار العود

نيسان 1987

 

-فتنتني عيناك الكسلى يا شارب الخمر

وأربكتني جدائل شعرك المتشابك، أيها المحبوب

 

-أنت السروة الباسقة في بستان الجمال، ووردة اللطف

بنظرة واحدة حولتني عن المفاتن الأخرى

 

-شاربو الخمر تعتعهم السُكر

وكأس واحدة من يدك الواهبة للحياة جعلتني أصحو

 

-ولهان، محترق، محزون، ما أنا فاعل؟

بإشارة واحدة، سحرتني شفتاك المكتنزتان

 

-حب سارق قلبي صيّرني مثل الحلاج

منفي عن أرضي محكوم بالموت

 

-حُبك سلبني من المدرسة والدير

وساقني إلى الخمارة مُستعبداً هناك

 

- كأسك المتدفقة مَنَحتني الخمر الحياة الأبدية

وتقبيل غبار عتبتك جلّى لي كل الأسرار

 

كانون الثاني 1987

 

-شهر رمضان انقضى، والخمارات شرعت أبوابها

الحب والبهجة والخمر شغلت ليالينا

 

-قدم لي الخمار الخمر لأفطر

فقلت "أما صيامك فبالبتلات والفاكهة"

 

-توضأ بالخمر فعملك، يرى الصوفيون،

سيكون مثمراً أمام الله

 

-أي طريق يمكن ان يسلك المرء، خلا طريق الحبيب؟

وماذا يمكن الحبيب، سوى الثناء على المحبوب؟

 

-كل كلمة ثناء تنطق بها، ثناء للحبيب

استيقظ يا صديقي، كم من الوقت يمكنك النوم؟

 

-استيقظ يا صديقي من هذا النوم العميق

وأنظر في وجه الحبيب كل دقيقة

 

-ما دمت نائماً فأنت مُحتجب بنفسك

وشمس هذا العالم متوارية عن عينيك

 

1984

 

-أيها الساقي، افتح أبواب الخمارة من أجلي

واتركني أسلو عن الدروس والجدالات والزهد والنفاق

 

-ضع خصلة من شعرك المجعد في طريقي

وحررني من التعلم والمسجد والتعليم والصلوات

 

-غنِّ مثل داوود وأحضر لي إبريقاً من الخمر

واجعلني أسلو عن القلق من الأحوال وتقلباتها

 

-ارفع الحجاب عن وجه حبيبي الجميل وشعره

واجعلني غريباً عن الكعبة وأرض الحجاز

 

-اترع كأسي بهذا الخمر القراح

واجذب قلبي من النقاء إلى طيف المحبوب الجارح

 

-صرتُ عاجزاً من الحزن على غياب وجه حبيبي

ادعني لكأس من الخمر يخفف عني شوقي



[1]- Bada-ye ceshq: Ashcar-e carefana-ye Hazrat-e Emam Khomeini (Tehran: Mo°assasayeTanzimvaNashr-e Asar-e Emam Khomeini, 1368/1989), 25, 29, 31, 59, 71 and 55