"مقامات بديع الزمان الهمذانيّ".. دراسة عن التأليف والنصوص والسياقات

المدن - ثقافة
الخميس   2022/10/06
مقامات
صدر عن دار ريتشرت (Reichert) الألمانيّة كتاب مقامات بديع الزمان الهمذانيّ: التأليف والنصوص والسياقات، للباحثينِ المتخصّصينِ في الأدب العربيّ القديم: الدكتور بلال الأرفه لي، والدكتور موريس بومرانتز. ويكشف الكتاب، عن طريق دراسة المخطوطات، جوانبَ جديدة من الحياة التي عاشها نصُّ مقامات بديع الزمان الهمذانيّ. فالاعتماد الكلّيّ على طبعات المقامات المحرَّفة التي صدرت في القرن التاسع عشر، لا يشكّك في الدراسات الحديثة فحسب، لكن يحرمنا أيضًا من تقدير الثقافة الأدبيّة التي أنتجت هذا العمل.

تنقسم محاور الكتاب الكبرى إلى ثلاثة أقسام: التأليف والنصوص والسياقات، مع وجود تقاطعٍ بين المحاور أحيانًا. وتشترك فصول الكتاب في أنّها تعالج نصوصًا تتّصل بمقامات الهمذانيّ لم تُدرس بعدُ.

يضمّ القسم الأوّل فصلين يتعلّقان بنسبة المقامات إلى الهمذانيّ، وهو يراجع عددًا من الفرضيّات التي تناولت اعتماد الهمذانيّ على أنواعٍ أدبيّة مبكرة في إنشائه للمقامة، ويقدّم خبرًا محقَّقًا من كتابٍ مفقود للنحويّ ابن فارس (ت 395/1005). يتناول القسم الأوّل أيضًا الطريقةَ التي جُمعت فيها مقامات الهمذانيّ المتفرّقة في مخطوطات، وذلك في السنوات التي تلت وفاته.

ويقدّم القسم الثاني تحقيقًا لأربع مقاماتٍ منسوبةٍ للهمذانيّ في عددٍ من المخطوطات ولم تتضمّنها طبعة محمّد عبده الشهيرة عام 1889م، وهي المقامات الطبّيّة والشريفيّة والهمذانيّة والخاتميّة، مع نقاشٍ وتحليلٍ لنصوصها وعلاقتها بغيرها من المقامات.

ويشتمل القسم الثالث على دراسةٍ وترجمة لعددٍ من المقامات المفتاحيّة. يَرِد في الفصل الخامس "الأدب والتحوُّل: المقامة الموصليّة"، تحقيقٌ لهذه المقامة مع ترجمة وشرحٍ حديثٍ لها، وفيها يقوم أبو الفتح بمحاولة إحياء رجلٍ ميت. يرصد الشرحُ المصادرَ التي اعتمدها الهمذانيّ مقترِحًا على القرّاء المعاصرين سياقًا جديدًا لتلقّي هذه الحكاية. ويُخصَّص الفصل السادس "ما لا يجدر بالقاضي سماعه: المقامة الشاميّة" لأوّل تحقيقٍ علميّ لهذه المقامة التي أقصاها عبده من طبعته. يُظهر الفصل تفاعل الهمذانيّ في مقاربته مع حدود اللائق وغير اللائق من الكلام. أمّا الفصل الأخير فهو دراسةٌ وتحقيقٌ لشرحٍ غير معروفٍ إلى الآن لـمقامات الهمذانيّ، ويحاجج المؤلّفان بأنّه من وضع الهمذانيّ نفسه. يؤثّر هذا الشرح إلى حدٍّ كبير في تصوُّرنا لفهم الجيل الأوّل من القرّاء لمقامات الهمذانيّ، ومن بينهم مؤلِّفو المقامات بعده.

يتخطّى تأثير هذا الكتاب حدود دراسة فنّ المقامات، فهو يدعو إلى الغوص في تاريخيّة نصوص الأدب العربيّ القديم ومساءلة موثوقيّتها، وتحليلها بعدسةٍ أكبر تتّسع لتشمل السياقات المعرفيّة والثقافيّة الأخرى. وإيمانًا برؤية الكتاب وأهمّيّته، تصدر قريبًا ترجمته إلى اللغة العربيّة ليصل إلى الجمهور القارئ بها.