جاك لانغ و"يهود الشرق" والأغنام!

المدن - ثقافة
الثلاثاء   2022/01/11
الياس خوري
اعتبر جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي في باريس، العريضة التي وقع عليها مثقفون عرب حول معرض "يهود الشرق"، "أمراً تافهاً ومؤسفاً"، وذلك على خلفية استعارة المعهد قطعاً من مؤسسات إسرائيلية. وقال جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي الاشتراكي الأسبق، عبر إذاعة "جي"، إن هذه العريضة "غير ملائمة البتة وخارجة عن إطار الموضوع". وكانت العريضة قد أُطلقت، مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، من قِبَل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ("بي دي اس") المؤيدة للفلسطينيين والداعية إلى مقاطعة إسرائيل، وجمعت توقيع نحو 250 مفكّراً وشخصية بارزة.

وأكدت هذه العريضة، التي تضم في جملة الموقّعين عليها الروائي اللبناني الياس خوري (كان يفترض ان يكون ضيفا في معهد العالم العربي وأعلن مقاطعته)، والمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، والدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، أن معهد العالم العربي "يخلّ بواجبه الفكري مع اعتماد هذه المقاربة التطبيعية، وهو أحد أسوأ أشكل السبل الجبرية واللاأخلاقية لتسخير الفنّ كأداة سياسية لشرعنة الاستعمار والقمع".

واعتبر لانغ أن العريضة تشكل "رد فعل يسعى إلى صرف النظر عن الهدف الحقيقي للمعرض الذي لا علاقة له بهذا الجدل السياسي أو ذاك". وقال رئيس معهد العالم العربي "إنه لأمر تافه ومؤسف بعض الشيء، خصوصاً أني ساهمت بنفسي في إبراز الثقافة الفلسطينية كما لم يفعل أي شخص آخر أو أي مؤسسة". وأضاف: "لقد أحزنني أن أجد أشخاصاً، بعضهم مميز، من الكُتّاب والفلاسفة، ينجرفون، مثل الأغنام، وراء نص لم يتحققوا حتى من صحته"، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية...

واستغرب كثر من رواد الفايسبوك، كيف يتفوه لانغ بكلمة "أغنام"، وثمة من قال أن هذا تعبير مجازي يستعمل بالفرنسية. وردّ عليه الياس خوري في جريدة القدس العربي بعنوان "الحوار المستحيل بين الذئب والحمل" قائلاً: "ذكرني السيد جاك لانغ بحكاية الذئب والحمل التي كتبها لافونتين في القرن السابع عشر... كنت مع زميلاتي وزملائي من موقّعي العريضة، نأمل أن نفتح نقاشاً جدياً ومسؤولاً ومثمراً، حول منزلق التطبيع مع إسرائيل التي قررت أن تكون دولة أبارتهايد، وما هو واجب المثقفين المؤمنين بالعدالة والحرية، في مواجهة دولة تقوم بتدمير شعب كامل وقع تحت احتلال جيشها. غير أن رئيس معهد العالم العربي آثر في تصريحه عدم النقاش، مدعياً أن عريضتنا غير ملائمة البتة وحجبت الموضوع، متناسياً أن من حجب الوضوع وساهم في إلقاء ظلال من الشك حوله هو تصريحه الترحيبي بالتطبيع بين المغرب وإسرائيل". وأضاف خوري: "ما فات السيد لانغ هو أن المثقفين العرب الذين شبههم بالغنم، يخوضون في بلادهم معركة مقاومة أنظمة استبدادية متوحشة أوصلت العالم العربي إلى الخراب. كما يواجهون تجبّر دول النفط، حيث لا مكان للحرية وحقوق الإنسان، وهي تحاول الاستيلاء على الثقافة العربية، وإفراغها من مضمونها الإبداعي والأخلاقي، عبر تحويلها إلى ثقافة ترفيه واستعراض... معركتنا يا سيد لانغ ليست معك ولا مع معهد العالم العربي، وكنا نأمل أن يقوم المعهد بتصويب الخطأ الذي وقع فيه، غير أن تصريحك الأخير جاء برهاناً إضافياً على أن هناك مشكلة يجب حلها.
طريقة الحل في نظرنا هي الحوار، لكن السيد لانغ قطع أي إمكانية للحوار حين وصف العريضة بالسخيفة والمحزنة، معتبراً أن الاحتجاج على جلب قطع فنية من متحفين إسرائيليين غير متوازن، لأن المعرض لم يستخدم سوى ثلاث أو أربع قطع إسرائيلية فقط.
هنا أريد أن أسأل ما هو الموقف من نظام الأبارتهايد الإسرائيلي؟"..
"لا أدري لماذا وقع السيد لانغ في فخ الاستعلاء الذي يذكّرنا بالزمن الكولونيالي. كنت أعتقد أن لغة ذلك الزمن انتهت، وأن الثقافات تستطيع أن تتحاور انطلاقاً من رفض فكرة التفوق التي بررت في الماضي جرائم الاستعمار.
لكن يبدو أن السيد لانغ قرر أن لا يحاور، وأنجع طريقة لشطب إمكانية الحوار هي إهانة الآخر وإلصاق صفات مشينة به.
قال السيد لانغ: «لقد أحزنني أن أجد أشخاصاً بعضهم يمتلك صفات مميزة من الكتاب والفلاسفة ينجرفون كالأغنام وراء نص لم يتحققوا حتى من صحته».
قام لانغ بتصنيفنا، واعتبر بعضنا مميزاً، شكراً يا سيدي، لكنني لا أعتقد أنك مؤهل للقيام بتقويم المثقفين العرب وتصنيفهم. ثم وصل به الأمر إلى اعتبارنا أغبياء لم نتحقق من صحة بيان وقعناه، وفي النهاية نشكر وصفه لنا بالأغنام، فأن تكون حمَلاً أفضل من أن تكون ذئباً.
غير أن هذه الصفة التي ألصقها بنا تقود إلى استحالة الحوار، وقديماً روى لافونتين قصة الحوار بين الحمل والذئب، مستنتجاً بأن الحوار بينهما مستحيل.
سؤالي الأخير هو: إذا كنا نحن أغناماً، فكيف تصنف نفسك يا سيد لانغ في مملكة خرافات لافونتين؟"