تاريخ موجز للتصفيق

محمد حجيري
الأربعاء   2021/07/07
التصفيق البيلاروسي الساخر الذي أغضب لوكاشينكو
في كتابه "نبض الشارع: تأثير الاحتجاجات والشغب"(*)، يسلّط الكاتب والمناصر لحقوق الانسان، ستيف كراوشو، الضوء على بعض أشهر الاحتجاجات من أنحاء العالم، من ثورة عبد الغفار خان الذي كان الصنو المسلم للمهاتما غاندي وحليفه ضد الاستعمار البريطاني، في عشرينيات القرن الماضي، وصولاً إلى الاعتراض على منع المرأة من قيادة السيارة في السعودية قبل أن تتوقف المملكة عن هذا المنع أخيراً، مروراً بكل حركات الاحتجاج السلمي التي شهدها هذا العالم خلال هذا الوقت. تمكن كراوشو في كتابه هذا من جمع كل التحركات المهمة مثل ربيع براغ 1968، وثورة نقابة تضامن في بولندا في ثمانينات القرن الماضي، وثورة السود ضد العنصرية في أميركا، وثورات الربيع العربي، لا سيما ثورتا سوريا ومصر، فضلاً عن التحركات السلمية في الصين وروسيا وغيرهما. والقصص الواردة في الكتاب هي تحية للذين تحدوا الحكمة التقليدية، وهم الذين شقوّا طريق التغيير.

وهناك قصص تشتمل على مفاجآت ومشاغبة -أي ما يصفه الناشط الصربي سرجيا بوبوفيتش بالنشاط المعارض من خلال القدرة على الإضحاك. يظهر بعض القصص كيف يمكن أن يرتكز التغيير على شجاعة فرد واحد ولياقته، وكذلك هناك قصص تحدّى فيها الفنانون –في المسرح أو الموسيقى أو الفنون البصرية- الأمر الواقع. وهناك قصص عن عالم وسائل التواصل الاجتماعي دائم التغيّر، الذي سمح للتحركات الصغيرة باكتساب صدى عالمي، وجمع أعداد كبيرة من الناس وراء هدف واحد، وأتاح سبلاً جديدة لكشف الانتهاكات أمام العالم أجمع.

كتاب "نبض الشارع" مكثف ومثير للاهتمام، يمكن لكل فقرة منه أن تكون محوراً في عالم الاحتجاج. فإذا ما قرأنا عن التصفيق مثلاً، نجده ذا معنى مختلف في لغة الاحتجاج. النافل أن قادة الاستبداد يرغبون في التصفيق أو يطلبونه مطولاً، يبحثون عن أي كلمة تكون مفتاحاً للتصفيق وبالعامية "التسحيج"، فأي خطاب من دون تصفيق يصبح قليل الشأن، ولطالما افتخر بعضهم بأن خطابه تلقى تصفيقاً دام دقائق. بحسب ستيف كراوشو، كانت مقالات الصحف الرسمية عن خطابات جوزف ستالين، تنصح بأوصاف محددة، تتراوح بين "التصفيق الحاد" إلى "التصفيق الحاد الطويل"، ذلك أن عدم التصفيق بحرارة كافية في زمن روسيا ستالين، وعراق صدّام، وكوريا الشمالية في هذه الأيام، يمكن أن يعرّض الشخص للعقاب على هذه الجريمة الخطيرة.



مجلس التصفيق
هناك نماذج كثيرة عن التصفيق السياسي. تذكر كتب التاريخ أن نيرون، طاغية روما، أسسّ مدرسة خاصة لتعليم أصول التصفيق، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات التي كان يغني فيها، وهو يعزف على القيثارة، ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف. ولأنه لا عمل لمجلس الشعب السوري، سوى التصفيق لخُطب بشار الأسد، سُمّي "مجلس التصفيق". الكاتب المصري عماد عبد اللطيف، في كتابه "لماذا يصفق المصريون؟"، يقول إن عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي اعتمد، لنَيل التصفيق، ذِكرَ الحركات الجماهيرية والتحررية التي استهدفت الخلاص من الاستعمار القديم، أو انقلبت على أنظمة حكم مَلَكية، مثل مجاهدي الجزائر وثورتي اليمن والعراق. في العام 1966، ألقى عبد ناصر خطاباً بمناسبة ذكرى الوحدة مع سوريا، وقال جملة "استيقظ العالم على أنباء ثورة 14 يوليو في العراق"، فعجّت القاعة بالتصفيق. وقد يلجأ الرئيس أيضاً إلى تسمية أشخاص يستدرون "الهيصة". في سنوات حكمه الأولى، كثيراً ما ذكَر السادات، اسمَ عبد الناصر، لاصطياد تصفيق الجماهير. المعادل السياسي للتصفيق لدى "حزب الله"، يتمثل في هتاف "الموت لأمريكا"، او "لبيك يا نصرالله"، مع القبضات المرفوعة.

وأغرب قصص التصفيق تأتي من كوريا الشمالية، حيث أصدر كيم جونغ أون قرارًا باعتقال كل شخص يتوقف عن التصفيق أثناء تجول الرئيس، وطبّق القرار بالفعل على أحد العمال بالسجن 10 أعوام بسبب توقفه عن التصفيق أثناء وجود الرئيس كيم. وفي العام 2013، أعلنت بيونغ يانغ، إعدام جانغ سونغ-ثايك (67 عاماً)، وكان يعدّ الرجل الثاني في النظام وزوج عمة الزعيم الكوري الشمالي، بتهم عديدة، منها الخيانة وعدم التصفيق بحماسة في الاجتماعات.

وإذا كان التصفيق دليلاً على الولاء الأعمى في الأنظمة الاستبدادية، فستيف كراوشو يستنبط له معنى آخر من خلال تغطياته الصحافية وتعليقاته. ففي جمهورية روسيا البيضاء، السوفياتية السابقة، انقلبت قاعدة التصفيق رأساً على عقب، لأن السلطات تعمد إلى اعتقال المتظاهرين بسبب تصفيقهم للرئيس، ومنطق الرئيس هنا يبدو مثيراً إذ لا أسباب كثيرة تدعو المرء الى التصفيق عند سماع خطاب الكسندر لوكاشينكو، الذي وُصف بالديكتاتور الأخير في أوروبا. والتصفيق الحماسي الذي ناله لوكاشينكو، وتكرر كل أسبوع على مدى أشهر في العام 2011، كان بقصد السخرية منه، فردّت السلطات بمنع كل أنواع التصفيق. أما الذين استمروا في التصفيق، فقد ألقي القبض عليهم بتهمة الشغب، بل تمادت في تطبيق هذا القانون إلى حد اعتقال شخص بتهمة التصفيق الممنوع علماً بأنه يمتلك ذراعاً واحدة!

كان منع التصفيق، مجرد البداية عند السلطات، وأتبعته بمنع كل أنواع التجمعات "التي تهدف الى القيام بتحرك ما، أو عدم القيام بأي شيء". واعتبر لوكاشينكو أن الذين اختاروا القيام بأمر ما، مثلهم مثل الذين اختاروا عدم القيام بأي شيء، يمكن أن يعتبروا مخربين على السواء.

ثمة معلومات تقول إنه، للتعبير عن الرفض، يُستخدم التصفيق بإيقاع بطيء وبزيادة الفاصل الزمني بين كل تصفيقة وأخرى. وقد تعرّض لهذا التصفيق المتباطئ، رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، عندما كان يلقي خطاباً أمام المعهد البريطاني للمرأة في حزيران 2000، حيث قابلت النساء حديثه عن الرعاية الصحية باستخفاف، فصفّقن بتباطؤ لمدة لم تكن قصيرة، ما تسبب له في حرج دفعه إلى التوقف لفترة عن الكلام.

(*) صدر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت.