الكورونا الذي لا بَعدَ له

روجيه عوطة
السبت   2021/07/31
أليست بلاستيكية كل هذه الثقة في كوننا أطحنا الفيروس؟
ثمة شيء لا بد من الانتباه اليه في ما يسمى حالياً بمرحلة "ما بعد الكورونا"، وهو أنها على الرغم من بدئها بفعل التلقيح، الا أنها، وفي الوقت نفسه، لا تبدو انها انطلقت. السبب بسيط، وهو أن ثمة شيء من الثقة في حمايتنا الإنسية، اذا صح هذا التعبير الضخم، قد تقوض. اقصد بذلك اننا، وفي إثر الكورونا، ما عدنا نثق كثيراً في كوننا محميين من الفيروسات، فربما بعد فترة سينتشر فيروس ما، ويحبسنا من جديد في منازلنا، ويطلب منا أن نضع كماماتنا، وأن نغسل أيدينا. بالتالي، الحماية تلك قد هشمت، وقد برز مكانها نوع من الانكشاف أمام كل فيروس، أو أي شيء قد يداهمنا على شكله، ولن نستطع عندها أن نواجهه.


على هذا النحو، لا يعني انتقالنا إلى مرحلة ما بعد كورونا، أن تلك الحماية قد ترممت، على العكس، انتقلنا إلى هذه المرحلة من دونها، أي مع وعي أنها مدمرة. وهذا بالتحديد، ما يهب لكل ما نعيشه الآن، معنىً مختلفاً. فمثلاً، تلك الحفلات التي يحييها الساهرون في شوارع باريس، تظهر في هذا السياق كأنها تجمعات من باب التكاتف الاجتماعي الذي يحل بدلاً من تلك الحماية. كما لو أن الساهرين، ولأن لا شيء يقيهم الفيروس، ومن مباغتته لهم، يتجمعون لكي يكونوا بالقرب من بعضهم البعض في حال حدوث انتشاره. لكن حتى هذا التكاتف هو تكاتف هش، فبالنظر إليهم من بعيد، تبدو تلك الأقنعة التي يمسكونها بأيديهم وكأنها تفيد بكون اجتماعهم هنا لا يقوى على الفيروس، إنما هو يحتاج إلى وقاية دائمة منه. فهذه الأقنعة، وعدا عن وظيفتها حيال الفيروس، تشتمل على إشارة، تفيد بكون ذلك التكاتف لا يمكن أن يحل مكان الحماية التي هشمت.

لكن التجمع، بما هو تكاتف، لا يحيل الى معنى التفتيش عن ترميم ما دُمّر فحسب، إنما حتى تلك الصور، التي ينشرها الصحب خلال تلقحهم، تقول ذلك أيضاً. بالطبع، يمكن قراءة هذه الصور بطُرق عديدة، إلا أن الملفت فيها هو بروزها كنوع من التحدي للفيروس من باب أن الحماية اياها قد ترممت باللقاح. بالتالي، هي أشبه بصور الولادة بعد الانهيار، غير أن وجودها في حد ذاته، دليل على أن هذه الولادة غير يسيرة. فعلياً، ومن باب البداهة الفكاهية بالتأكيد، ليس من الممكن التواصل مع الفيروس، ليس من الممكن الاستناد الى إبرازه، وعبر صُور تلقي اللقاح، بأن اللقاح كفيل بتحطيمه، وهذا، بعيداً عن تطويره المستمر لنفسه من خلال إنتاج نسخات منه.

نتيجة ذلك، تبدو تلك الصور أنها تواصُل مع الذات، في وقت استحالة التواصل مع الفيروس، وبهذا التواصل تريد الاقتناع بأنها محمية، بأنها جبارة، بأنها متينة، بأنها لم تفقد شيئاً من طاقتها بعد الحجر الصحي وكل تبعاته. لكنها، وفي أثناء ذلك، تشي بالعكس. أليست كاريكاتورية صورنا مبتسمين في حين تلقيحنا؟ أليست نكرانية هذه الابتسامات؟ أليست بلاستيكية كل هذه الثقة بكوننا أطحنا الفيروس؟


تبدو محاولاتنا بأن نكون في مرحلة بعد الكورونا على ثقة باحتمائنا، مجرد بناءات وهمية، ولذلك، هذه المرحلة لا تبدو انها بدأت فعلاً. على العكس، تبرز كأنها بعيدة، كما لو أن مرحلة الكورونا ما زالت سارية المفعول، أو بالأحرى كما لو أن الكورونا ما زال يتحكم فينا. المبالغة في الواقع قد تحمل الى تقديمه على أنه يشبه المصير، الذي لا يتحقق تجنبه في حين الاحتماء منه، إذ اننا، وفي حين نظن كوننا نتحكم به، هو، وبشكل من الأشكال، يتحكم فينا، ولا شيء يسعف أمامه.