"الهامستر" ليوسف الخضر... رواية اللاجئ السوري المتخفي في بيروت

شاكر الأنباري
الجمعة   2021/07/23
الهامستر، هو الخلد المتواري في حفرته خوفاً على حياته، وهي رواية عن اللاجئ السوري المتخفي في دهاليز بيروت. 
ودهاليز بيروت هي مخيم صبرا، والأزقة المظلمة الغاصة بالنفايات، والبنايات المهجورة، والأرصفة البعيدة من عيون الشرطة، والغرف الصفيح. واللاجئ السوري في تلك الدهاليز يمارس المهن التي تكاد لا تطعم الفم، كبيع الزهور، وصباغ الأحذية، وأحياناً العمل غير الرسمي في صحف، ومسارح، ومؤسسات، وكراجات، ومزارع نائية. أما إذا كان ذلك اللاجئ من دون أوراق رسمية، فعادة ما يكون مكانه السجن، أو التشرّد على الأرصفة مستذكراً حياته القديمة قبل الزلزال في مدن سوريا وأريافها. 

وبيروت عاصمة كوسموبوليتية، فيها السوري، والعراقي، والفرنسي، والقادم من دول أفريقية عليلة. والجميع يبحث عن حل لأزمة شخصية، سبّبتها عادة، ظروف قاهرة كالحروب، والمجاعات، والعنف، والتقاليد الاجتماعية، والقيم التي لم تعد تناسب الحياة المعاصرة. من ذلك الخليط البشري في بيروت الكوسموبوليتية، التقط الكاتب شخصية روايته "الهامستر"، جبرائيل الذاهل، بعدما قذفه تسونامي الحرب السورية من الشمال إلى دهاليز بيروت. 

بصورها التعبيرية واندفاع أحداثها نحو الهدف، تستحق "الهامستر" أن تتحول إلى فيلم سينمائي لأنها تلامس الحس الإنساني فينا. وهي تلاحق مصائر بشر فقدوا الأمل في كل شيء، وهم يقفون عراة أمام التهميش، والقسوة، والبحر المتلاطم من تقاطع المنافع، وتنافر الغايات، في مجتمع متصارع مع نفسه، ومع ايقاع العصر. 

وكانت حياة الشباب، وهم من مختلف المشارب، ويعيشون في مخيم صبرا في غرفة مستأجرة خالية تماماً من مقومات العيش الكريم، تروي هموماً صغيرة، ساذجة بعض الأحيان، لكنها في المحصلة تحيلنا إلى ظلم شامل يحكم الإيقاع البشري في بيروت السفلية، بِحاراتها، ومشرديها، ولاجئيها، ومصادفاتها المفخخة، ويأسها، بعدما تحولت إلى كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين الكبار. 

جبرائيل الكاتب السوري المطرود من عمله، محمد بائع الورد في الطرق، وهو سوري أيضاً، ريا اللبنانية العاملة في المسرح، جوليا البيروتية، الأثيوبية الغامضة، إيميلي الفرنسية، وأشخاص آخرون يعيشون حياتهم البسيطة حسب إيقاع بيروت، إيقاع شارع الحمرا المزدحم، والروشة المطلة على البحر وهي تنتظر الحالمين، ومقهى "تاء مربوطة"، وباعة الملابس، والمسارح، والفنادق الرخيصة، والأزقة الموبوءة بالمخدرات. وكل ذلك يخفي بؤس ما تعيشه تلك الشخصيات وفراغ ساعاتها القلقة المذعورة من الغد. وقد لاحق الكاتب أرواحها الداخلية، وانفعالاتها إزاء ما يجري لها كل يوم، حيث يقتنصها وهي ذاهلة مما تعيشه، حالها كحال جبرائيل السوري الذي وجد نفسه وسط غابة فجأة، بعدما انتقل من قريته الهادئة في شرق سوريا إلى مدينة بيروت الغاصة بالضجيج. 

رواية سلسة اللغة، ترتكز على تجربة حقيقية. يحوّل الكاتب تلك التجربة إلى دلالات مضمّخة بروح انسانية تجبر القارئ على الميل إليها، وتبنّيها، والتعاطف معها. وهي تجربة مضافة إلى تجاربنا الروائية العربية التي راحت تنتمي إلى واقعها المصنوع من حروب، وتهجير، وأحلام مجهضة، وتوق إلى عدالة انسانية غائبة، وظلم اجتماعي يقع على المرأة خاصة، وعلى الضعفاء من مجتمعاتنا. الضعفاء الذين يسقطون في مسننات مطحنة هائلة هرست وتهرس الجميع، وما زالت في عنفوانها.

(*) "الهامستر" للروائي السوري يوسف الخضر، والمقالة كتبها الروائي العراقي شاكر الانباري في صفحته الفايسبوكية.