جيسيكا عازار في مواجهة الحمق السياسي

محمد حجيري
الأحد   2021/05/30
جيسيكا وخطيبها
الضجّة التي أحدثها اقتران الحسناء والإعلامية، جيسيكا عازار بشاب مسلم أو شيعي جنوبي من بلدة جويا "يعيش بين لبنان وافريقيا"، تبيّن، أنه برغم اندفاع كُثر من اللبنانيين، نحو الاختلاط وكسر جدران الهويات في سبيل الحرية الشخصية... هناك جماعات تزيد من تشدّدها، وتذهب نحو تقوقعها في إطار "الأمّة المتخيّلة" النقية التي لا تغزوها ثقافة أخرى، ولا "يقتحمها" دم "غريب"، ولا ترى غير نفسها في المرآة المقعرة... وتنسجم مع هسترتها..


يعتبر (العوني، الشمعوني السابق) ناجي حايك من أبرز النماذج "اللبنانوية" على التقوقع والشوفينية، فهو الطبيب الذي يفترض أنه على علاقة بالعلم ويبتعد كل البعد عن تخاريف الجماعات الاهلية، نجده يسابق الغوغاء في تحريضهم وتمجيدهم التقوقع... يستنفر ضد زواج جيسيكا المختلط ويشهّر بالعريس (الشيعي) وأهله من دون أن يعرف من هو العريس، يتهمه لمجرد أنه من غير طائفته، من غير حزبه... تطن في "ذاكرة" ناجي حايك كلمة صوفان(عائلة العريس)، فيحفر في قبور الحرب عن رواية بلا أساس، تتضمن شيئاً من الزجل والقرادي الاحترابي، يريد مكيدة سياسية أو طائفية يرفعها في وجه مواطنته جيسيكا عازار، يريد أن يرجمها، أن يخوّنها، وهي تواجهه ببيت شعر للمتنبي "لكلّ داء دواء يُسْتَطَبُّ به إلا الحماقة أعيت من يداويها"، ومعنى الحُمقِ كما قال ابن الأعرابي: الحماقةُ مأخوذَةٌ مِن حَمِقَتْ السوقُ إذا كَسَدَتْ فكأنه كاسِدُ العَقلِ والرأي فلا يُشاوَرُ ولا يُلتَفَتُ إليه في أمرٍ مُهِم. وبِها سُميَّ الرجل أحمق لأنه لا يُمَيَّزُ كلامُهُ مِن رُعونَتِه. والحمقُ غريزةٌ لا تَنفَعُ معها أيُّ حيلة، وداءٌ لا دواءَ لهُ!

توقفت الحرب ولم يتوقف خطابها بالنسبة لناجي حايك، والنافل أن شهرته في وسائل الاعلام، قائمة على خطاب الحقد وحفر القبور والضغائن الطائفية المتراكمة ومنطق "أكلونا المحمودات"، باختصار هو يمثل فريقاً سياسياً يفكر بهذه الطريقة...


جزء من الضجيج حول جيسيكا عازار انها اعلامية جميلة مشهورة ومرشحة سابقة للانتخابات، وقريبة من "القوات اللبنانية"، وتعيش في منطقة الاشرفية، وهذا يجعل زواجها من غير ملّتها حدثاً صاخباً، و"خرقاً" في لاوعي المتعصبين... هو زواج ميديائي بامتياز، يجمع المال والاعلام أو المال والشهرة أو المال والجمال، وبين كل ذلك هنالك الحب بأشكاله وألوانه... بالطبع ليست جيسيكا عازار أول فتاة تتزوج من غير ملّتها، فقد بات الزواج المختلط نوعاً من كليشيه في المجتمع وفي الروايات الأدبية والمسرحيات والمسلسلات والأفلام السينمائية اللبنانية، يشبه قصص الأميرة والفارس الفقير، وفي السنوات الأخيرة تخطى الزواج المختلط الخبر العادي (صار يصل "مُبهّراً") لمزيد من التشويق والاثارة الاعلامية، اذ صرنا نقرأ خبراً يقول زواج مسلمة محجبة من مسيحي في الكنيسة، بمعنى آخر لم تعد "العلمنة" شرطاً للزواج المختلط، وقد يحصل في إطار الحفاظ على الهويات بتفاصيلها الواضحة والطائفية... وهناك العشرات من المشاهير الذين تزوجوا زواجاً مختلطاً(مسلم ومسيحية، أو مسيحي ومسلمة تحديداً)... اذ رصدنا قليلاً نجد نجمة "الفور كاتس"(السابقة) مايا دياب تزوجت رجل أعمال شيعي انجبتْ بنتاً ثم انفصلتْ عن زوجها، الاعلامية الطرابلسية نانسي افيوني تزوجت من محام ماروني من دون أي ضجيج، وملكة جمال لبنان السابقة روزريتا طويل تزوجت قبل أيام من شاب درزي بهدوء في مكاتب الزواج المدني التركية، الاعلامية فيوليت خيرالله (الروم) تزوجت من الوزير الطرابلسي السنّي محمد الصفدي، النائب (المستقيل) الأرمنية بولا يعقوبيان تزوجت الاعلامي (الشيعي) موفق حرب ثم انفصلا، الصحافية نايلة تويني تزوجت من الاعلامي المسلم مالك مكتبي، والفنانة الزحلاوية المسيحية نجوى كرم تزوجت من رجل الاعمال المسلم يوسف حرب وأحدث الزواج مشكلة مع شقيق نجوى (المتعصب) وانتهى بالطلاق، ريما فقيه الشيعية اللبنانية الاميركية تزوجت من مسيحي... في المشهد نفسه تزوج النائب الزغرتاوي طوني فرنجية من الشابة المسلمة الصيداوية لين زيدان، وكذلك تزوج النائب (السابق) الكتائبي سامي الجميل من الشابة الطرابلسية الفرنسية كارين تدمري..


مراد القول أن الزواج المختلط خصوصاً بين السياسيين والفئات الميسورة وحتى الشعبية، بات يحصل بشكل شبه عابر، لكن أحيانا الكيدية السياسية أو الحماقة السياسية تفعل فعلها في الضجيج، كما حصل مع جيسيكا... وأحياناً الغوغائبية الاجتماعية الهمجية تتخطى الحدود في ردة الفعل كما حصل في حادثة بيصور قبل أعوام.


بالطبع لا بد من تشجيع الزواج المختلط، لأنه في جانب منه يكسر بعض جدران التقوقع وربما يزيد من الانفتاح وغنى المجتمع، ولكن في الوقت نفسه، علينا أن لا نتوهم ونعتبره وجهاً من وجوه "الفرقة الناجية" في الوطن السعيد الكثير التنازع... من دون تنظير، الزواج مسألة شخصية وأساسه الحرية الفردية، وليس علينا أن نبني عليه الكثير من التكهنات السلبية أو الايجابية أو نحيطه بالكثير من المسلسلات الساذجة أو المواقف التافهة... في زمانه، ورغم أنه كان منظراً لـ"الجبهة اللبنانية" و"حراس الأرز"، وممجداً القتل في صبرا وشاتيلا، تزوج الشاعر (الماروني، الزحلاوي) سعيد عقل بالشاعرة (الدرزية) آمال جنبلاط، وأطلق على عرسه توصيف "زواج الحب الوحدة الوطنية"، ولكن الزواج لم يستمر طويلاً، بدت العلاقة بين الشاعر والشاعرة أعقد من الحرب الأهلية، والحب بينهما أقرب إلى أوهام الوحدة الوطنية، وانتهى الزواج الشهير بانتحار الشاعرة برصاصة في القلب. وبيّنت الوقائع ان كل ما يقوله الشاعرة عن المرأة والحب هو أقرب إلى كلام في الفضاء..نستعيد الحديث عن سعيد عقل الشاعر الفينيقي الشوفيني، لنقول إنه لم يكن أحد من متابعي سعيد عقل، يتوقع أن يتزوج من غير طائفته، في لحظة "وضع" كل أفكاره وأحقاده جانباً، وقيل أنه "انتصر" لقلبه، لكن الأيام كشفت أن سلوكه لا يحتمل، وعقله أبعد ما يكون عن الحب.. لم يغير الزواج من عقلية سعيد عقل، بل زاد من تعريته..وتعاطيه السيئ مع زوجته التي كانت تصغره بأربعين عاماً، كان أخطر بكثير من أفكار الطائفية.