عناية جابر..إذا لمستَ قلبي ولو بريشة يصرخ من الألم

المدن - ثقافة
الثلاثاء   2021/05/11
يقال إن آخر تعليق كتبته الشاعرة والناقدة الراحلة عناية جابر كان "إذا لمست قلبي ولو بريشة يصرخ من الألم"، كأنها تكتب قدرها الحياتي بتعليق عابر، أو كأن القلب يقول رؤياه ومكنونه قبل أن يقرر "ساعة التخلي" ويتدرج من الألم ويكون بين يدي الموت...

عناية كتبتْ عن قلبها قبل أن "يغدر" بها قلبها، وهي التي كانت مفردة القلب حاضرة دائماً في قصائدها ودواوينها، في الحب والألم والفقدان واللعب بالكلمات والحروف تسأل "تُرى كم من الرجال ودّعت/ عند كل المرافئ/ بهذا القلب/ ذاته"، وتقول "أكتب الشعر لأنه يبقيني هادئة"، لأن: "لا يمر يوم دون أن يحزن قلبي"، وتضيف "ثم إنه غيابك /الجلد الميت على القلب"، و"اسند قلبي بيدي/ على وشك أن ينسى قصة حب"، وتلخص كل شي بقصيدة "أعطيتُ قلبي لكلّ شيء وما جنيتُ غير حياة رفيعة ووحدة متأرجحة كثمرة متراخية تكفي لوقوعها مزحة بالكاد أو يومًا لعينًا خاليًا من الخجل". 

الشاعرة والزميلة التي كانت تعشق الغناء والطرب، "ماتت وحيدة في بيتها الصغير في شارع الحمرا" بحسب ما كتبت الشاعرة فيوليت ابو الجلد، "ماتت وحيدة لأن أولادها هاجروا ليلاقوا حياتهم في بلاد قد تعطي قيمة للإنسان وللإنسانية وللعمل وللجهد وتعب السنين. ماتت وحيدة وحزينة ويائسة من كل الذي يحصل. ماتت شاعرة حلوة تشبه قلبها"... ماتت وحيدة في زمن بات الموت فيه شبحاً يومياً، في الشارع، في فايسبوك، في الكتابة. فـ"الموت تطاول كثيراً وتحدانا في عقر دارنا وقصائدنا، ودّك أساس الكلمات" كما كتبت عناية في رثاء محمود درويش.
  
غادرت عناية وهي التي كانت تقول "لأنني أعتقد / أنني شاعرة / لا أكف / عن / تعذيب نفسي"، تكتب ومضات "تمسك بالقلم لترسم لوحات على هيئة أسطر... عناية جابر كانت تقول: لا أخوات لي"، تبتدع في دواوينها شخصية امرأة شعرية أو امرأة من كلمات وومضات، تعيش في ذروة عزلتها وخوفها وألمها ووحدتها، تخاطب الآخر ببوح منتظرة أن يأتي هنيهة ثم يرحل، يتركها لوحدتها وعالمها.

عناية الآتية من بلدة السلطانية في جنوب لبنان، والتي كتبت "لا أحد يضيع في بيروت"، عرفناها على مدى سنوات طوال كاتبة وناقدة في جريدة "السفير" وكتبت لمدة في "المدن"، كانت تغطي النشاطات الثقافية وتجري المقابلات مع الشعراء والروائيين وتكتب التعليقات. منذ أن غادرت "السفير" (التي أقفلت لاحقاً)، زادت من عزلتها ووحدتها، كأن الكتابة بالنسبة إليها كانت نافذتها على العالم، كان لها عالمها ومناخها وقصيدتها، التي حظيت في مراحل باهتمام الكثير من النقاد، باعتبار أنها تتضمن جوانب من "الجرأة". وتركت مجموعة من الأعمال الشعرية، منها: طقس الظلام، مزاج خاسر، ثم انني مشغولة، استعد للعشاء، أمور بسيطة، ساتان أبيض، جميع أسبابنا، ولا أخوات لي. نشرت مجموعة نصوص في مجلة "أمكنة"، كانت تعتبرها جزءاً من رواية تكتبها. 

عدا عن الصحافة اليومية والشعر، كانت عناية تقترب من عالم الطرب والغناء، عشقت "أغنية "مضناك جفاه مرقده/ مَوْلايَ ورُوحِي في يَدِه قد ضَيَّعها سَلِمتْ يَدُه
ناقوسُ القلبِ يدقُّ لهُ وحنايا الأَضْلُعِ مَعْبَدُه"... أعادت تقديم عدد من الأغاني الكلاسيكية بصوتها، لعل أبرزها "يا ليلة العيد"، "آمنت بالله"، "مادام تحب بتنكر ليه"، "على خده يا ناس مية وردة".