السفر في زمن الكورونا

بشير البكر
الإثنين   2021/04/12
مطار ميلانو (غيتي)
صار السفر في زمن الكورونا عملاً شاقاً. لم يعد كما كان عليه قبل أن تعصف بالكون هذه الجائحة التي تتحكم في حياة البشرية. في السابق، كان يكفي أن يحجز المرء تذكرة ويحزم حقائبه ليرحل من قارة إلى أخرى، من دون حواجز وحسابات وتكاليف مالية باهظة. أما اليوم فهناك إجراءات كثيرة ومعقدة، وبعضها عسير، ويبعث على الضجر والخوف إلى حد أن المرء يراجع نفسه طويلاً قبل أن يقرر حجز تذكرة السفر.

وتختلف الحسابات قبل شراء التذكرة، عن تلك التي تأتي بعدها، وهي تتلخص في الشروط التي يجب تلبيتها كي يصبح المسافر مؤهلاً لركوب الطائرة، وتجاوز الحاجز القادم بلا عقبات قانونية. أول الخطوات هي عملية إجراء المسحة من أجل إثبات عدم الإصابة بالفيروس اللعين، حتى يتمكن المسافر من ركوب الطائرة، وهذه مسألة تأخذ بعض الوقت كي تتم بِحِرَفية، رغم التقدم الذي تحقق على مستوى الفحوص بعد أكثر من عام على تفشي الوباء، وتحوله إلى خطر كوني يفتك بآلاف البشر في كل يوم.

والحاجز الثاني الذي يجب تجاوزه بالنسبة إلى بعض وجهات السفر هو، أن يقوم المسافر بحجز فحصين، الأول في اليوم الثاني للوصول والثاني في اليوم الثامن، وهذا يترافق مع حجر يدوم عشرة أيام، ليس من حق المسافر خلالها أن يغادر مكان الحجر، حتى من أجل قضاء متطلبات الحياة اليومية، وعليه أن يتدبر أمره عن طريق الطلبات بالهاتف والانترنت. ويختلف حال المسافر بحسب مكان الحجر. ومن يجد منزلاً يحجر نفسه فيه، هو أكثر سعادة من ذلك الذي يقضي الحجر في فندق، تحدده له سلطات الدولة التي يسافر اليها، وعليه أن يتكفل بتسديد تكاليف الفندق والطعام، بالأسعار التي تفرضها الدولة المضيفة، وهي أسعار عالية ذات طبيعة سياحية.

وبعض الدول مثل بريطانيا وضعت لائحة حمراء تشمل البلدان التي يتفشى فيها الوباء أكثر من غيرها، ومن يقع تحت شرط هذه اللائحة يحظى بمعاملة قاسية، حسب شهادات تسربت للاعلام من قبل مسافرين خضعوا لهذه التجربة الصعبة، وذات الكلفة العالية التي لا تقدر عليها إلا فئة محددة. وهذا أمر يقع في باب الاستثمار التجاري للوباء، والذي يبدأ من تكاليف حجز الفحصين والذي يصل إلى حدود 300 دولار، وإذا أضفنا إليها تكاليف الفندق والطعام لمدة عشرة أيام، فإن الفاتورة تأتي باهظة تفوق سعر التذكرة بأضعاف مضاعفة، الأمر الذي يجعل المسافر متوسط الدخل عاجزاً عن تلبيتها. وبالاضافة إلى ذلك، هناك التكاليف النفسية للحجر الذي يدوم عشرة أيام، ويمنع فيها على المسافر أن يخرج من مكان الحجر ولو لدقائق معدودة، تحت طائلة الغرامة المالية العالية والسجن مع الغرامة أحياناً. وهذا أمر ذو مفعول سلبي بسبب التداعيات النفسية التي تترتب على بقاء الكائن منفرداً طيلة هذه المدة في مكان وحيد.

ويبدو أن اللقاح لن يحل كل المشاكل التي سببها الفيروس، فالعالم يستعد لدخول المرحلة الثانية التي لا تقل صعوبة بسبب عدم توافر اللقاح بالنسبة للغالبية العظمى من سكان المعمورة، وهناك نقاش جدي حول فرض جواز السفر الخاص بالذين خضعوا للقاح، كما هو الحال في غالبية البلدان الأوروبية، ويأتي هذا الإجراء بحجة السلامة العامة، وهو لن يفرض في حالة السفر فقط، بل هناك اتجاه لتعميمه في المجال العام مثل المرافق السياحية وأماكن الترفيه والمطاعم وصالات الرياضة، وحتى أماكن العمل وشركات الطيران. ويبدو هذا الإجراء، في جانب منه، موجهاً ضد الرافضين لأخذ اللقاح وأعداد هؤلاء ليست قليلة. ورغم عدم توافر إحصاءات رسمية حتى الآن، فإن تقديرات تشير إلى نسب تصل إلى ربع المشمولين باللقاح.