عباس بيضون... ساكن الحديقة/ إلى لقمان

المدن - ثقافة
الإثنين   2021/03/01
كان عشاء فحسب
التمتمات لم تعد كافية
لتلحق بالرجل المغادر
لقد ترك وراءه الكرسي فارغاً
كأس بقي وحده على الطاولة
ومسافة إلى الباب
لم يكن الغياب أطبق
والكتاب لا يزال في إبانه
الوقت يعمل في الأشياء ببطء
حين على بعد ٢٥٠ مترا
انشقت دقيقة
واحترق قليل من الوقت
على بعد ساعة
تطايرت رسوم حديقة
وانفجر عام كامل
كان البيت صار في الوادي
والكأس الذي سقط عن الطاولة
اندفن في الغياب
الذي برق فجأة
بينما استمر الموبايل
ينقل الخميس نفسه
بذات التاريخ
إلى شهور تالية
من كان يظن ان الريح تأتي من هناك
والمستقبل الذي سقط قريباً منا
ليس مكتملاً
لقد وصل بدون قدمين
ولم يخسر اسمه فقط
جبينه ايضاً
كان مقلوباً إلى الخلف
من كان يتوقع
ان تكون الإحلام قانية إلى هذا الحد
ان نذبح في مناماتنا
وان نبيع حطاماً
لأجيال قادمة
من كان ينتظر
ان تتأخر هكذا ساعة النسيان
التي وحدها يمكن أن تصفح
وحدها يمكن ان تكون عفواً
عن الراحة القادرة على سحقنا
والسكينة التي تربي أسناناً
يمكن للعفو نفسه ان يكون بصقة
أو حتى اعتداء
يمكن أن نجد النسيان عاصفاً
وقابلاً لأن يتذكر
بقدرة على الخنق
وعلى تسميم العصافير
بمكن للهول أن يستمر في العاصفة
بدون ان يتنفس
وبدون ان يترك دوياً
يمكن له ان ينتحر فوق الرهائن
ولكن بنوع آخر من الجريمة
التي تحتاج أيضاً إلى دموع
وإلى كثير من القصاصات
لكنه الخميس نفسه
في كل يوم
وفي كل ساعة
إذ يمكن ان نودع الأسابيع
بذات الرقة التي نشحذها على المسن
يمكن ان تكون السكينة
ماضية كالشفرة
إذ لا نعلم متى ينشق الهدوء
ومتى يكون الواقع
على بعد ٢٥٠ مترا
وقد توقف عن العد
العالم يناديه
لكن (الحياة في مكان أخر)
كان هناك كثير من الوقت
في ذات الدقيقة
كثير من الوقت
في ذات الرصاصة
وانت الذي منذ البارحة
مشيت كثيراً
مشيت أكثر من كتاب
وصلت أبعد من أذان
على ظهر المطبعة
التي بقيت تثرثر بين الأغصان
لم يكن هناك سوى رسم لحديقة
ونسخ أفضل
لزمر الشوارع
والعصافير الهاربة من القصائد
لم بكن هناك سوى الكتاب نفسه
مكسوا بالجروح
لقد عاد ساكن الحديقة.

(*) قصيدة نشرها الشاعر والروائي عباس بيضون في صفحته الفايسبوكية