الأعياد اللبنانية تذكّرنا: ادفعوا ثمن انخراطكم في الفقاعة

عادل نصّار
الأربعاء   2021/12/29
مرّ عيد الميلاد هذه السنة وكأنه لم يمر، ولم يكن محطة. كل المظاهر التي اعتادت مرافقته، كانت شبه غائبة. زينة خجولة بل شحيحة، وأشجار مستعادة، موسيقى خافتة. لم نغنِّ لطفل المغارة، ولم نرتدِ اللون الأحمر، ولم نأكل حبشة العيد ولا فروجه، ربما علينا أن نشكر السماء لأنها أرسلت بياض الثلج في كانون وبدلت قليلاً في الواقع الكارثي...

بابا نويل لم يجرؤ على توزيع الهدايا، بل لم يجرؤ على الخروج من البيت لدخول محال الألعاب، ففي الأسعار شيء من صدمة والذهول... حتى الآن لم يتكيف المواطن اللبناني مع الأرقام الجديدة، أسعار السلع التي تفوق طاقته بأشواط وأشواط. لنتخيل فقط سعر الكستناء التركية، وسعر النبيذ، ولنتأمل طوابير الذل للموظفين والعسكريين أمام المصارف من اجل الحصول على 250 ألف ليرة.

لا يختلف الواقع في ما يتعلق بليلة رأس السنة. لا إعلانات لحفلات، لا صور لمطربين ومطربات في البانويات الكبيرة ولا الصغيرة. في الكواليس لا تحضيرات لحفلات، حتى سؤال "أين ستمضي ليلة رأس السنة"، لم نسمعه حتى الآن، أو لم نسمعه حيث نتواجد على الأقل. كأن الجواب إذا ما طرح السؤال، نعرفه من الواقع المعيشي والكورونا المتحورة، وموجة الاكتئاب المتفشية، حالات الانتحار الصادمة. عدا ذلك، فقدنا أبسط أنواع الفرح والترفيه في لبنان، والناس إما عاجزون عن فعل شيء لأنهم لا يملكلون المال اللازم، أو يملكون المال ويتوجسون من الأسوأ والأيام السود المقبلة، فيحجمون عن فعل شيء. مَن يشتري سندويشاً لا يبدو أن يتلذذ بطعمه، من جهة سعره أشبه بالخرافي، ومن جهة أخرى إذا أراد أن يأكله سينتبه للحظة بأن أشخاصاً بقربه لا يستطيعون شراء الخبز... هكذا بتنا في مخاض صعب يسد النفس.

شوارع بيروت التي كانت تضج بالحانات والمطاعم والسهرات والرواد، على مدار السنة، تبدو الآن عاجزة عن تأمين سهرة واحدة في ليلة رأس السنة... الطبقة الوسطى التي كانت جزءاً أساسياً في حراك الحياة والاقتصاد والمجتمع، انضم جزء كبير منها إلى خط الفقر، تخلخل البنيان الاجتماعي. والناس عوض أن تتحدّث عن الأعياد والهدايا والسهرات والأماسي، نجدها تتحدث عن الإعاشات والمساعدات وتركّز على طلع الدولار، نزل الدولار، وتبحث عن وظيفة، أو عن بوابة للهجرة، وفي مناطق من لبنان السرقات على أشدها...

هل ندفع ثمن تهورنا وتماهينا مع قرارات السلطة على مدى سنوات؟ هل فقدنا بهجة العيد لأننا بالغنا في الترف والاتكاء على سياسة الفساد والزبائنية وفوائد المصارف، وفي الخاتمة كانت مسمومة! فهذه الفقاعة التي عشنا فيها جميعاً قامت على تثبيت سعر صرف الليرة، والتنافس المحموم كان لأجل جمع المال، ولو بالدَّوس على كل القيم والأخلاقيات. فسياسة الدولرة ربّت نفوساً عمادها الطمع والجشع وحب الاستهلاك والاستحواذ، وها هم اللبنانيون جميعاً يجنون ثمرة السياسة التي انخرطوا فيها من خلال سياسة مخادعة كانوا يعلمون أنها مخادعة. لذلك أتت هذه السياسات على اللاعبين الصغار منهم. فانحدر هؤلاء الى البدايات، بدايات التأسيس. جريمتهم أنهم لم يعترضوا، بل انخرطوا وبكل قواهم فيها، معتقدين أنها سياسات مؤبدة. ليس الموضوع برمته موضوع شماتة، بل إنه أمر عتاب. عتاب للنخب والطبقة الوسطى التي انخرطت في ألعاب أحزاب السلطة، ولم تلتفت إلى أوضاع من هم دونها، الذين ظلمتهم هذه السياسات ويظلمهم انهيارها الآن. ومع ذلك تجدهم يفتشون عن حلول فردية، ويتخلون عن أدوارهم النخبوية في قيادة سياسة الاعتراض على ما وصلنا اليه.

تبدو الأعياد، أو الكلام عنها، كمن يرثى الحال. ليست حال الأعياد وناسها، إنما حال اللبنانيين جميعاً في مختلف أيامهم وفي حياتهم على مدار الساعة. هناك جو من عدم الأمان الشخصي والمعيشي، وازدياد في حالات الوفيات لغياب العناية الطبية اللازمة، وانهيار البنى التحتية والخدماتية وغيرها. باختصار إننا نعيش في بلاد منكوبة... هذه هي حصيلة سنوات العيش منذ العقود الأخيرة ونمطها وأسلوبها.

هل من علاج؟ هل من مُنجِد؟ في هذا النفق الذي يمر به اللبنانيون نترقب، ويترقب الكل معنا ذلك، على أمل الخلاص وشروق يوم جديد على لبنان واللبنانيين. لا نملك سوى الدعاء...