"مَشاهد من زَواج"...مسلسل عصري أكثر مُحافظة من فيلم السبعينات

يارا نحلة
الجمعة   2021/12/17
الأم السيئة بمعايير كلّ عصر، اذا ما صُوّرت بعدسة ذَكَرية
على الرغم من عمق التحوّلات التي طرأت على البنى الاجتماعية والأدوار الجندرية خلال السنوات الخمسين الماضية، منذ صدور فيلم وسلسلة "مَشاهد من زواج" للمخرج السويدي انغمار برغمان، يبدو أن المؤسسة الزوجية ما زالت على حالها، من دون تغيير يلحظ في دينامياتها وصراعاتها. هذا ربما ما استدعى إعادة انتاج هذه الدراما بنسخةٍ أميركية عصرية على يد المخرج هاغاي ليفي، في سلسلةٍ من ست حلقات تبثّ عبر منصة HBO.

تروي السلسة قصة تفكّك زوجين على الرغم من الحب والألفة بينهما. الأمر نفسه في أميركا أو السويد، في القرن العشرين أو الحادي والعشرين، في مجتمعٍ تقليدي يقدّس الأسرة أو آخر عصري يؤمن بالفردية. شروط التفاوض على علاقة "أبدية" هي نفسها، وكذلك الأمر بالنسبة للاشكاليات والخيارات التي يضطر الزوج الى مجابهتها: الأنا مقابل النحن، الاستقرار مقابل الشغف، الاستثمار في الذات مقابل البحث في الآخر عن أسباب الوجود والاستمرار. يخوض ليفي في هذه المعضلات، كما فعل برغمان من قبله، على امتداد حلقات ست لا يبرح خلالها بطلا السلسلة، جيسيكا شاستين وأوسكار اسحاق، موقع التصوير الأوحد؛ منزلهما. داخل جدران علاقتهما، يتخبط الثنائي ويتمزّق بين رغبات متناقضة تقذف بهما في أحضان بعضهما البعض حيناً، وعلى جبهات متعاركة أحياناً أخرى.
 

لم يجنح المخرج بعيداً من النص والحبكة الأصليين، ما عدا بعض التعديلات التي تضع القصة في سياقٍ عصري، حيث الزوجة (ميرا) امرأة أعمال ناجحة والمعيلة الأساسية للأسرة، فيما يهتمّ الزوج (جوناثان) بطفلتهما الى جانب عمله كأستاذ جامعي. وانطلاقاً من ضرورات التجديد، يعكس ليفي معادلة هجر الزوج لزوجته في السلسلة الأصلية. هذه المرة، هي ميرا التي تهجر زوجها وطفلتها معاً، بعد وقوعها في غرام شاب أصغر منها سنّاً، لتعيد اكتشاف ذاتها بمنأى عن أسرتها والحياة التي بنَتها خلال عشرين عاماً. لا تقدّم ميرا لزوجها أي تبريرات مقنعة، وتتركه مشدوهاً إزاء قرارها المفاجئ بالمغادرة، هو الذي كان يحسب علاقتهما مثالية ومقدّرة أن تستمرّ الى الأبد. يوضّب أمتعتها وهي تهمّ بالرحيل، حين تعلن فجأة أنها غير قادرة على البقاء يوم آخر في منزلهما الذي استحال قفصاً في عينيها.

بعد افتراقهما، يحيا كل منهما تجربته الخاصة. يسترجع جوناثان جذوره اليهودية التي كان قد انسلخ عنها خلال علاقتهما، خصوصاً أنها شكّلت موضع تهكّم بالنسبة لزوجته. فيما تروح ميرا تبحث عن استقلاليتها خارج اطار العلاقات الحميمية، معلنةً قرار مواصلة العيش وحدها، وهو أمر يثير سخرية الزوج. في كل مرة يعلن أحدهما بلوغ مرحلة من النضج الداخلي، يقابله الآخر بالسخرية والاستهزاء، معرباً عن تشكيكه في هذه المزاعم. "لا أصدّقِك"، يقول لها. "لا أصدّقَك"، تجيبه. في هذه الحلقة المفرغة من سوء التواصل، يصرّ كل منهما على الاثبات للآخر بأنه يعرفه أكثر من معرفته لذاته، وبهذه المعرفة تتجسّد سلطة كل منهما على الآخر، سلطة تضع الآخر في إطار ضيّق ومُحكم يمنعه من إعادة إختراع ذاته وهويته.
 
حين صدر الفيلم الأصلي، اعتُبر أحد أسباب ارتفاع حالات الطلاق في السويد عبر دعوته المشاهدين الى تأمّل المؤسسة الزوجية التقليدية ونقدها. لكن بعد حوالي نصف قرن من الزمن، حاول خلالها البشر إعادة تدوير العلاقات الزوجية بأشكالٍ وصِيغٍ أكثر عصرية، ما زالت هذه المؤسسة مأزومة في جوهرها، وإن حاول الأزواج التلاعب بمعادلة الزواج الأحادي وفتح علاقتهما على خياراتٍ وتجارب أخرى، كما يفعل صديقا ميرا وجوناثان. الا أن محاولة الأخيران لإنقاذ زواجهما عبر الارتباط بعشاق آخرين لا تفلح سوى في إضفاء طبقة أخرى من الأزمات والتحديات التي لا مهرب منها.

تتسم السلسلة الجديدة بحوار دسم ومشحون بالانفعالات والصدام، إلا أنه يظلّ قاصراً عن عكس العوالم الداخلية للشخصيات. يثبّت المخرج عدسته على عالم الزوج الضيق، خالقاً شعوراً بالحصار المطبق، وكأن هذين الشخصين غير موجودين خارج إطار علاقتهما. يصعب، بناءً عليه، فهم دوافع الشخصيتين وخلفيات أفعالهما، وهو أحد مواضع إخفاق النسخة المقتبسة، بالمقارنة مع فيلم برغمان. في نسخة ليفي، يغيب المنطق المسيّر لرغبات الشخصيات وحركتها الداخلية، يبدو كأنها تتواجد في فراغٍ هوياتي، فراغ مجرّد من كل شيء سوى الصراع. 

على الرغم من طول المدة الزمنية الفاصلة بين العملين، يمكن القول بأن النسخة المعاصرة أكثر محافظة وتقليدية من الفيلم الكلاسيكي. فقد أخفق ليفي حيث نجح برغمان، أي في تصوير النقاشات والأهواء السياسية والاجتماعية المتغيرة للمرحلة، خصوصاً أن النسخة الجديدة تفتقر لوجهة النظر الأنثوية، ما يجعل المشاهد غير قادرٍ على فهم شخصية الزوجة والتعاطف معها. فهي الأم التي تترك منزلها وطفلها، سعياً وراء رغباتها الخاصة. هي الأم السيئة بمعايير هذا العصر وكلّ عصر، اذا ما تمّ تصويرها بعدسة ذَكَرية.