"إنه عالم رائع" لجيلبير حاج: يوميات صغيرة..وسادة كبيرة

حسن الساحلي
الجمعة   2021/10/29
وجوه وورود
تقدم "غاليري تانيت" معرضاً بعنوان "إنه عالم رائع" It’s a Wonderful World يستمر حتى يوم السبت 30 تشرين الأول. "لا يعتبر المعرض تقليدياً"، وفق ما يؤكد الفنان جيلبير الحاج، بل هو "معرض بيع خاطف" Flash Sale Exhibition يقدم أعمالاً تشترك بأنها مخصصة للبيع وتمتلك الحجم الضئيل نفسه وسِعر 100$.

جزء من هذه الأعمال، اختير من مشاريع ومعارض سابقة، تمحورت حول موضوع أو أسلوب عام، منها مجموعة بورتريهات بالأبيض والأسود مأخوذة في سياقات ضوئية مختلفة وضمن وضعيات متباينة. تلعب هذه الصور على الهامش المعتاد عند الحاج، بين الكشف والإخفاء الذي يسمح بتوليد قصص وسرديات مختلفة من الصورة نفسها. ينطبق هذا على المجموعة الثانية من الصور، التي تتبع المسار ذاته، لكن مع موضوعات مختلفة، هذه المرة، أي الجنسانية وجماليات الجسد الأنثوي، التقطها المصور في سياقات متبدلة من الوضعيات المثيرة، الأزياء، والظلال.
   



أما الأعمال الباقية من المعرض، والتي تشكل العدد الأكبر من الصور (وضعت على طاولة وسط الصالة)، فقد صوّرتْ بالهاتف خلال فترة الحجر التي أمضاها الفنان في بيته (جعيتا). يقول الحاج إن هذه المجموعة أشبه باليوميات التي تتمحور حول مواضيع عشوائية، لا مشترك بينها، سوى جاذبيتها الجمالية، وسلسلة المصادفات التي أخذته إليها.


يحيل النص المكتوب على هامش المعرض (في موقع "غاليري تانيت") هذه الصور إلى تجارب مصورين، مثل جيزيل فروند وإيريك سولومون، وهما رائدا التصوير الفوتوغرافي-الصحافي اللذان استغلا التطور التكنولوجي للكاميرات صغيرة الحجم خلال النصف الأول من القرن الماضي، لالتقاط صور عفوية من الحياة اليومية لم تكن متاحة سابقاً، لكن الثنائي تمكّن من ترجمة التطور التكنولوجي إلى أسلوب جديد من التصوير والجماليات.

أما في حالة الحاج، فرغم أن الصور مأخوذة بوسيط جديد هو الهاتف، إلا أن طريقة تصويرها والإشتغال عليها، لا تقدم رؤية جمالية جديدة ولا تبدو مختلفة عن الصور المأخوذة بالكاميرا الاحترافية. مثلاً، في المعرض يركز جزء كبير من الصور على الورود والنباتات التي أخذ المصور وقته لإيجاد الوضعيات والخلفيات المناسبة لها، ما يعني تجريباً لاحتمالات متعددة تنتهي بإختيار صورة واحدة. لذلك، يحق لنا طرح سؤال: لو أخذت الصور بكاميرا احترافية، هل كان سيتغير شيء؟ ما الذي أضافه الهاتف في هذه الحالة؟ (في كل الأحوال، تكمن أهمية ممارسة الحاج الفوتوغرافية في رفضه "عادية اليومي" وعدم قبوله انتظار ما يقدمه العالم من هدايا، وهو ما يؤكد النص المرافق في مكان آخر: "جيلبير دائماً يهاجم.. بدافع غريزي لجلب كل شيء إليه، وتحويل أي مكان إلى استديو خاص به").


صورة منفصلة
بالإضافة إلى مجموعة الصور الصغيرة التي قدمها المعرض، عرض الغاليري صورة ضخمة للحاج غطت أحد جدران الصالة "تم اختيارها لتظهر التبيان Contrast مع الأعمال الأخرى". تنتمي الصورة إلى مشروع "أخيراً وليس آخراً... وسادات" الذي قدمه الفنان العام 2007، وحازت صورته "أولغا"، جائزة "معرض الخريف" في متحف سرسق، لتصبح يومها أول صورة فوتوغرافية تحصل على جائزة من هذا النوع خلال أكثر من نصف قرن من عمر المعرض.

مع أن هذا الفوز أتى متأخراً، لكن الصورة تمكنت من تثبيت موقع التصوير الفوتوغرافي كنمط فني معترف به في بيروت ضمن أحد الفضاءات الفنية الأكثر تقليدية وسلطة في آن من المدينة، ما سيترجم لاحقاً اعترافاً أكبر من غاليريهات وصالات عرض، تعتبر المتحف مرجعاً لها.

من الناحية النقدية، اكتسبت هذه الصورة قيمتها من تجاوزها الوظيفة المرئية للتصوير الفوتوغرافي، المحصورة عادة ضمن الكادر المغلق على تقاليد فنية راسخة، وفتحها الباب أمام احتمالات جديدة وعوالم أكثر رحابة، مرتبطة بالعنصر الغائب أو غير المرئي من الصورة، أي التخيلات وأحلام النائم، التي تثيرها رمزية الوسادة...

توضع الصورة اليوم ضمن الأعمال الكلاسيكية في لبنان، منذ عرضها للمرة الأولى، وهو ما أدى إلى رفع سعرها مع الوقت ليصبح متضخماً. حتى طريقة عرضها في "غاليري تانيت" بمواجهة معرض كامل من الصور الفوتوغرافية، يبدو محاولة لتأكيد فرادتها، ومحاولة لتكريس سعرها المرتفع كأمر معتاد في المستقبل.