وداعاً مختار البابا

المدن - ثقافة
الثلاثاء   2021/01/26
علمت بخبر وفاة الخطاط اللبناني مختار البابا من ورقة نعي ألصقت على مدخل مبنى قريب من منزلي في رأس النبع. 
تابع الفقيد إرث والده المعلم كامل البابا، وكان كامل من أجمل من رسم الخط الفارسي الذي عشقته منذ صغري وشجعني لتعلم فنون الخط عبر جلوسي ساعات أمام دكان كل خطاط أمرّ به. والحي الذي ولدت فيه ازدهر والأزقة المجاورة له بدكاكين الخطاطين بعيون ومزيّك ومراياتي وصبره وبخاري، معظمهم اعتاش من الإعلانات التجارية ويافطات الترحيب بالعائدين من الحج وملصقات الأحزاب والحملات الانتخابية والحفلات الفنية والترويج للأفلام والمسرحيات وكتابة عناوين الصحف ومقالاتها وبطاقات المعايدة والأعراس.
بشغف حار تعلمت الخط ولم أميّز جريدة عن أخرى بخطها السياسي وإنما بالخط الذي تكتب به مانشيتاتها، وأخيرًا فرحت باتقاني رسم الخط بالقصبة.
أتى الكومبيوتر على مهن الخطاطين وأرزاقهم، وانحسر الطلب عليهم إلى استخدام مهاراتهم في تصميم بطاقات الأفراح وترقى كبارهم بالعمل في دواوين مجلسي الوزراء والنواب ورئاسة الجمهورية إذ استعين بهم في تخطيط بطاقات الدعوة والمطبوعات ذات الصفة الخاصة.
أنهى شيخنا مختار البابا حياته خبيرًا ومحلفًا لدى المحاكم وأسلم الروح يوم السبت الفائت في القاهرة. أفتقده افتقادي للكلمة وافتقاد الكلمة إلى حرفها ولغتها التي أمست صنعة الثرثار.

(*) مدونة نشرها الكاتب والسينمائي محمد سويد في صفحته الفايسبوكية