الاحتفال السري في زمن الكورونا

روجيه عوطة
السبت   2021/01/02
تطبيق زوم
في اثر الحجز الصحي نتيجة الكورونا، أمضت كثرة من سكان المعمورة سهرة رأس السنة في منازلهم من دون ملاقاة صحبهم وعائلاتهم سوى عبر "زووم" ربما. الا أنه، وفي حين كانت هذه الكثرة تسهر على هذا النحو، كان ثمة كثرة أخرى تمضي الى السهر على منوال مختلف، مفاده توديع العام 2020 من خلال الاحتفال السري. بالطبع، سرية هذا الاحتفال تتعلق بكونه يتخطى القانون الذي يمنع اجتماع عشرات ومئات الأشخاص في مكان مقفل من دون الالتزام بالعادات والتقاليد الانتي-الفيروسية، من قبيل ارتداء القناع والتماسف. فيكون الاحتفال سرياً لكي لا ينكشف أمر تخطيه ذاك، وبالتالي، لتجنب معاقبة المشاركين فيه بتوقيف الشرطة لهم وتدفيعهم غرامات مالية.

فعلياً، يحيل الاحتفال السري في زمن الكورونا الى تلك الحفلات الديماسية التي تتحدث عنها الاساطير المدينية التي تدور خلال الثمانينات الأوروبية والأميركية من القرن الماضي. فقد كانت تنظمها شبيبة الحركات المستقبلية والبانكية والقوطية والسوداوية بأزيائها ووجوهها وطقوسها كشكل من أشكال الاعتراض على النظام الذي تدور فيه. وغالباً ما كان هذا الاعتراض ينطوي على إشارة الى الوضع الذي أوصل هذا النظام عالمنا اليه، أي وضع النهاية الحتمية بفعل انعدام العدالة الاجتماعية والحروب والقمع والعنف والعقلانية المفرطة إلخ. بهذا، كانت الحفلات بمثابة جنازة لعالم مقتول، وفي الوقت نفسه، رفض لقتله، من خلال الرمي الى غيره لا يكون على نظامه. غموض هذه الحفلات، وعدا عن كونه يتعلق بديماسيتها، أي بكونها تأخذ من تحت مدنها أرجاء لها، يرتبط برميها ذاك، بحيث أن العالم الذي تبغيه غير محدد، تماماً، كما نظامه أيضاً، بل إن كل حركة من حركاتها تتطلع الى عالم ونظام مختلفين، وهو تطلع يوتوبي بالتأكيد، وكل عظمته في صفته هذه.
ولكن، الاحتفال السري في زمننا، وإن كان يحيل للحظة الى حفلات الثمانينات تلك، الا انه لا يتطابق معها بالمطلق. بالطبع، سبب ذلك أن اعتراضيته تقتصر على خرقه للحجز الصحي، بالتالي، هي اعتراضية موضعية، ينتجها المنع من قبل الدولة، فترد عليه بدرئه. كما أن الاحتفال السري الراهن لا يبدو جنازة لعالمنا، إذ إن الذين يشاركون فيه لا يوارونه في الثرى بعد ان قضى عليه الكورونا، على العكس، هم يستأنفون ما كان عليه قبل اصابته بالفيروس، أو بالأحرى يحتفلون كما لو أن الفيروس لم يضربه، كما لو أنه لم يكن. وفي هذه الجهة بالذات، لا يتطلعون الى عالم مختلف عنه، غير أنهم، وفي سياق احتفالهم، يمكن القول إنهم يبقون فيه، وفعلهم هذا قد يبدو خالياً من أي يوتوبيا، كما قد يبدو، وفي الوقت نفسه، أن خلاءه من اليوتوبيا هو اليوتوبيا بعينها. مثلما ان هذا الاحتفال لا يبرز بأزياء وطقوس محددة، بل إنها تغيب عنه، ليحل مكانها الأزياء اليومية ومعها مسالك السهر من تحادث وضحك ورقص وشرب...، ولكن، ارتداء هذه الأزياء والاقدام على هذه المسالك تصير، وبفعل السرية، بمثابة مزاولة لشعائر محظورة.

على أن الحفلات السرية، وبالبعيد عن احالتها الى حفلات الثمانينات وافتراقه عنها، تبين أمراً محددا، وهو المكانة الراهنة للاحتفال، بحيث أنه فعل مقدس. وتقديسه يتعلق بكونه فعلا مجتمعيا، وهو كذلك، لأنه فعل استهلاكي، كما يتعلق أيضاً بكونه حيزاً لاعادة انتاج السابق عليه، أي المعاش اليومي. بالتالي، يبدو الاحتفال السري مسكوناً بإرادة الحفاظ على مكانته التي مده بها النظام الراهن، بالإضافة الى تكريسه أفعاله تلك أي التجمع الاستهلاكي لاعادة الإنتاج المعاش اليومي، وفي السياق هذا، وحين ينطوي على اعتراض على النظام، فيكون اعتراضه عليه عندها مساوياً لمواصلته له ضد حجزه.