لن يُهزم الإمام مرّتين!

أسعد قطّان
الخميس   2020/09/17
من المواجهات أمام مجلس النواب (مصطفى جمال الدين)
أشياء كثيرة تغيّرت خلال الأعوام العشرين الأخيرة. مات الشيخ محمّد مهدي شمس الدين. ومات السيّد هاني فحص. وتحوّل أئمّة الشيعة في لبنان، طوعاً أو كرهاً، إلى موظّفين من الدرجة السادسة في خدمة "حزب الله". نسي معظمهم البيان والشعر وغنج الأمسيّات المكرّمات في النجف الأشرف، وأقفلت أبواب الاجتهاد ونوافذ الإبداع، وتحوّل الدين إلى إيديولوجيا في خدمة السلاح. أمّا "المقاوم القديم"، فحسم أمره، وأيّام المقاومة انتهت إلى غير رجعة، وتربّع الأستاذ على عرش السياسة واخترع لنفسه دور المركز الذي تمرّ به أشعّة الدائرة جميعها في زمن طأطأة الرؤوس ذعراً من رئيس جهاز المخابرات السوريّة في لبنان. صارت الناس تتندّر بثباته في المركز المرموق، والأجيال الطالعة لا تعرف سواه مؤتمناً على التشريع الذي يخلو من التشريع. ودارت الأيّام، ومرّت الأيّام، على رأي أمّ كلثوم. والأمام المغيّب موسى الصدر ليس هنا كي يوبّخ تلميذه النجيب على الصفقات، وشرطة مجلس النواب التي تقتلع عيون المنتفضين بالرصاص الحيّ دفاعاً عن فراغ مجلس النوّاب والديموقراطيّة المفرّغة من معانيها.

لكنّ أبواب الجحيم انفتحت: ثورة في الشارع ومشانق في الساحات. صحافيّون يخوضون ضدّه معركة الصدق والحرّيّة. وقائد الأوركسترا الأميركيّ، الذي لطالما تناساه وتلهّى عنه، قرّر أن يصوّب عليه في الخاصرة الرخوة وأن يعاقب أمين خزانته وكاتم أسراره. هل قرأتم البيان الاحتجاجيّ؟ لماذا العقاب وقد بات ملفّ ترسيم الحدود البحريّة في خواتيمه؟ وكأنّ الأستاذ يعاتب الأميركيّين على ضربة المطرقة غير المتوقّعة. لقد فضح البيان ذاته وفضح الذين دبّجوه.

اليوم يرفع الأستاذ، وزارة الماليّة، قميص عثمان جديداً. من يصدّق أنّ الموضوع هو مكانة الطائفة والتوقيع الثالث؟ القضيّة، بالتأكيد، ذات بعد إقليميّ. لكنّها أيضاً قضيّة هيمنة وقضيّة سلطة وقضيّة كرامة الأستاذ. ولعلّ هذا أوّل الغيث، سواء أتت الحكومة المهندسة فرنسيّاً، أو لم تأتِ. فهو يعرف أنّ الأيّام المقبلة ستكون أعظم وأقسى وأعتى، على الجميع. وعلى رأي شاعر العرب الأكبر: من قصد البحر استقلّ السواقيا.

ترتفع وزارة المال قميص عثمان جديداً باسم الطائفة المظلومة، وبعض شبابها يمتشق السلاح ويهدّد الجميع بالحرب والثبور وعظائم الأمور. تحالفٌ مع معاوية ضدّ عليّ بن أبي طالب. هاتها يا عمرو! وإذا بعمرو يأتي بها: وزارة المال يا مولاي، يا أمير المؤمنين العتيد. بها تهزم كلّ أعدائك وبها تدوس العقارب والأفاعي. يبتسم مولاه بمكر. لكنّ صليل السيوف في الخارج يصيبه بالارتجاف. "..والله خير الماكرين"، يردّد في سرّه. بلى بلى. يعرف أنّ المقبل من الأيّام ربّما يحمل له الكثير من الأهوال والمصائب. ويعرف مشقّات الطريق. فهل يدرك شيئاً فشيئاً أنّ الإمام لن يُهزم مرّتين؟