شويكار.. كيف تكون الجميلة كوميديانة؟

محمد حجيري
السبت   2020/08/15
قد يكون الناقد أحمد يوسف في كتابه "نجوم وشهب في السينما المصرية" أبلغ من وصف "البسكوتة" أو الفنانة الراحلة شويكار قائلاً إن: "جمالها هو غموضها، وصعوبتها في سهولتها، وبريقها هو مراوغتها الزئبقية"، فهي شخصية متعددة المشارب والأهواء والثقافات واللهجات، تعبّر عن مرحلة غابرة في تاريخ مصر المحروسة. فالفنانة اسمها شويكار(كلمة فارسية) والدها شفيق إبراهيم شكري "طوب صقال"، من أصل تركي، و"طوب صقال" لقب تركي يحصل عليه أصحاب المقام الرفيع، بحسب سيرتها المنشورة، وجاء جدها الأكبر من تركيا إلى مصر أيام الحكم العثماني، وكان ضابطًا في جيش محمد علي الآتي من البانيا، وكان والدها من أعيان الشرقية، بينما تنتمى الأم لأصول شركسية ولكنها ولدت وتربت في مصر في بيت ارستقراطي، وكان والدها مثقفاً (لا ندري أي ثقافة) ومغرماً بالشعر، وتلقى تعليمه في لندن، بينما كانت والدتها تجيد العزف على البيانو.

ومنذ أن كانت في سن الرابعة بدأت ميولها الفنية، وبدأ حبها للفن بحبها للفنانة لليلى مراد، وحققت الأم حلم ابنتها في دخول السينما، وهي في سن التاسعة لتشاهد فيلم "قلبي دليلي". والمفارقة في مسيرة شويكار وهي الآتية من أصول تركية، وتعيش في مصر، والتحقت بمدرسة فرنسية، ورغم بعض الملمح "الثقافي" في بيت عائلتها الاستقراطية، إلا أن والدها تصرف والدها مثل "سي سيد" في رواية نجيب محفوظ، وزوّجها من شاب ثري قبل ان تبلغ سن الرشد، وأنجبت شويكار ابنتها منة الله، وبعد عام من الزواج أصيب الزوج بمرض خطير وتوفي وأصبحت ارملة في الثامنة عشرة من عمرها، فقررت استكمال دراستها الثانوية واختيرت أمًا مثالية فى نادى سبورتنغ، وهي في سن 20 عامًا لأنها كانت تعمل وتدرس وتربى ابنتها.

وبغض النظر عن مسيرة شويكار الطويلة والمعروفة وعلاقتها بزوجها السابق فؤاد المهندس، يمكن ان نقرأ فيها وجهاً من وجوه مصر، فهي تنتمي الى زمن كانت مصر فيه محطة للفنانين والفنانات ومصنعاً للمشاهير والمبدعين، أو هي "هوليوود العالم العربي" والشرقي، إذ رصدت مطبوعة مصرية 64 اسم فنان وفنانة قائلة "لن تتخيل أنهم ليسوا مصريين"، أو هم من أصول أجنبية، كان النجوم يأتون الى مصر من المغرب والجزائر ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين وحتى اليونان وتركيا وايطاليا والباكستان. عاشوا في الاسكندرية (ايام الكوزمبوليتية) وفي القاهرة، وحصّلوا فيها النجومية والشهرة والأضواء والمجد.. بينما اليوم تعيش مصر على وقع ضحالة سياسة السيسي والنوستالجيا لما يسمى "الزمن الجميل"...

نجوم وفنانون مصريون، هكذا يوصفون، وغالبيتهم كانت خانة الجنسية في جوازات سفرهم "مصري"، منهم ابراهيم خان ونجيب الريحاني وأنور وجدي وماري منيب واستيفان روستي، هؤلاء ليسوا من أصول مصرية، وكذلك هند رستم وحسين فهمي ومصطفى فهمي ولبلبة وياسمين الجيلاني والراقصة لوسي...

عدا الأصل والفصل، نجحت شويكار في تحقيق معادلة تجمع بين الجمال والكوميديا في الأداء المسرحي كما يقول المؤلف المسرحي فارس يواكيم. ونجاحها في الكوميديا يرجع إلى أدائها المميز؛ فليس في المرأة الجميلة ما يثير الضحك، ولم تكن النجمات اللواتي تألقن قبلها في الأدوار الكوميدية مسرحياً من الجميلات، عدا عن ان الممثلات الكوميديات قليلات في العالم العربي. وتعد شويكار مثالاً للأناقة والجمال، حيث غلب على أزيائها ستايل خاص، تمثل في الفساتين القصيرة المكشوفة من الصدر...  هكذا كانت شويكار مزيجاً من الكوميديا والتراجيديا، مزيجاً من التمثيل الرصين والمرأة التي لم تتخل عن دورها المجتمعي، لم يسرق الفن حياتها الزوجية وامومتها، ولم تتحول أسيرة الأدوار والنجومية، كانت قادرة أن تكون زئبقية فعلاً، في البيت تمارس دورها كأمّ، وفي التمثيل تؤدي دورها كممثلة.

رحلت شويكار والشاشة العربية بحاجة الى دلعها الى جانب رقة فاتن حمامة، وإغراء هند رستم، وشقاوة سعاد حسني، ابتسامة سامية جمال، ومواقف تحية كاريوكا، واستعراض شريهان...