باسم المرعبي... فخ الفايسبوك

المدن - ثقافة
الأربعاء   2020/12/02
الفايسبوك: انعدام الحق في الصمت!
ـ بدافع من انقطاعي عن هذا الموقع لأكثر من عامين ـ
أنت في وسط كهذا، بشروطه، على ما يبدو، لا بشروطك! وهذا أول نذير من نُذُر العبودية. فأنت غير مسموح لك بالصمت أو التراخي عن المتابعة والحضور اليومي، إن لم يكن اللحظوي. عليك أن تبقى ساهراً متيقظاً ملاحِقاً كل منشور من دون نسيان دفع ثمن قراءاتك، بالأبهام المرفوعة، أو القلب فاقع الحُمرة، أو أيقونة العين الدامعة أو الملامح المعبّرة عن الغضب، وحتى التعليق، كلٌّ حسب سياقه وموضوعه ووقتك وخلوّك للأمر. وهو ثمن مستحق بأي حال لا اعتراض عليه، بل العكس، فثمة الكثير مما هو جدير بهذه المصادقة على ما يتضمنه المنشور. ولكن، إن لم تقم بشيء من هذا، دائماً أو أحياناً، فهذا لا يعني أنّ ثمّة خللاً في الموضوع ذاته بل بالظروف المحيطة به ـ بك، كتوقيت النشر، اطلاعك عليه من عدمه وأسباب أُخرى متصلة بهذا السياق، لا يمكن إغفال حتى النفسيّ، منها.

ينطبق كثيراً وصف السوق على الفايسبوك، والعملة المتداولة فيه هي اللايك ومشتقاته. سوق يكثر فيه العرض وإن عزّ الطلب. والفايسبوك غير ديموقراطي، هو كذلك في المظهر فقط، بكثرة الأصوات حدّ اللغط. ولا مكان فيه لمن يتروّى في إيصال صوته، حتى وإن بالقراءة فقط. القراءة الخالصة غير مسموح بها هنا. لابد من إشهار وجودك بطريقة ما وإشعار كاتب المنشور بهذا الوجود، والأخير يكتسي أهمية مضاعفة. طريقة القراءة القديمة مُدانة، وهي أن تقرأ ومن ثمّ تطوي الصحيفة وتدعها جانباً، أو تحتفظ بها كاملةً أو بالمقال أو النص الذي أعجبك. هذه الأعراف غير مسموح بها في فايسبوك.

أما غيابك عن هذا الفضاء ـ الفخ حسب وصف الفيلسوف البولندي زيغمونت باومان فسيترتّب عليه الكثير، وفق اشتراطات التعاقد غير المعلن بين رواد هذا المجال من مجالات التواصل. لقد أجملَ باومان كل وسائل التواصل الاجتماعي تحت وصف الفخ : “Social media are a trap”. وهي كذلك حقاً وبأكثر من معنى.

ودخول الفخ ليس كالخروج منه، إن كان ثمّة إفلات. وطالما أنت في الفخ، فعليك أن تكون في منتهى الاحتراس، أي إغماضة قد يكون ثمنها وجودك الافتراضي هذا، الذي لا يمكن عزله بأي حال عن الوجود الفيزيقي لك. وإلّا فأنت تعيش منشطراً بإرادتك. وهو ما يبدو عليه البعض بجلاء، أولئك الذين لا يريدون سوى رؤية انعكاس وجوههم وأصداء أصواتهم. والتعبير أيضاً لباومان الذي أفضى بذلك في حوار مهم، مطلع العام 2016، لصحيفة الباييس الإسبانية، النسخة الانكليزية.

(*) مدونة نشرها الشاعر العراقي باسم المرعبي في صفحته الفايسبوكية.