حسان عباس... تلاشي الذاكرة(*)

المدن - ثقافة
الأحد   2019/08/18
حتى عقد ونصف مضى أو أقل قليلا، كنت أتباهى بذاكرتي الحفظية. أحفظ عشرات أرقام الهواتف (منذ أخذ مني الأمن دفتر العناوين الصغير الذي كنت أحمل فيه أرقام معارفي)، أستذكر مئات أبيات الشعر باللغتين العربية والفرنسية، بل وأيضا بعض أشعار لوركا بالأسبانية. أعطي الأمثلة لطلابي من كتب المؤلفين والمفكرين والأدباء دون تلكؤ، إلخ.. غير أن تلك الذاكرة بدأت تتلاشى مع بداية عقدي الخامس، حافظة المحمول أبطلت الحاجة لتذكر الأرقام، لكن كم من موقف قاس عرفته عندما أذكر أمام الطلاب أو في ندوة أو ورشة فكرة في كتاب فأنسى اسم الكتاب أو أنسى اسم مؤلفه. وكم من مرة حاولت تذكر بيت من الشعر لتغدو العملية كتمرين: املأ الفراغات.. وغالبا دون نجاح. بل وكم من مرة أتذكر وجه الشخص ولا أستحضر اسمه. مرة كنت في المطار وقابلت فنانة صارت مشهورة جدا كنت من متابعي أعمالها من بداياتها ومن أوائل من كتبوا عنها وأشاروا إلى إبداعها لكن نسيت اسمها ففتحت الأنترنت على هاتفي على عجل لأستذكر اسمها قبل ثوان من معانقتها لي بكثير من الود...

اليوم كنت أنظف مكتبي فمزقت الأوراق المتراكمة ومنها أجندات العمل للسنوات الثلاث الماضية، بما فيها من أرقام ومواعيد مختارات من القراءات وملاحظات من المؤتمرات والنقاشات والندوات التي حضرتها (وما أكثرها) ومما وقعت عيني عليه ملاحظة بالفرنسية في مؤتمر عام 2017 أقول فيها: "بدأت ضحكات السيد/ة S الهستيرية تضايقني، كم أود لو أدخل هذا المنديل في فمه/ها"... قضيت أكثر من ساعة أحاول أن أتذكر من هو/هي (الفرنسية لا تسمح بمعرفة الجنس في الجملة) هذا ال S... دون جدوى.
للعمر حقّه، وآلامه.

(*) مدونة كتبها الباحث السوري حسان عباس في صفحته الفايسبوكية