جاين: الغناء خليطي والأداء ماغريتي

روجيه عوطة
الثلاثاء   2019/07/23
نجمة فرنسا
في حال اختصار صنعة جاين الغنائية، فمن الممكن القول انها مؤلفة من سيماء فرنسية، وايقاع أفريقي، وتصويت أميركي، بالتالي، نافل وصفها بأنها متعددة المشرب بمعنى المنهل، وبمعنى الهوى. فهذه الفنانة، التي ولدت في تولوز حاملةً اسم جان، قبل تَهنُدِها على "اليانية" فتجعله دجين، لم تترعرع في مسقط رأسها، بل انها، وبسبب عمل والدها في حقل النفط، تنقلت بين بلدان عديدة، وعلى رأسها الكونغو، وأبوظبي، ما اتاح لها أن تتعرف على أنواع مختلفو من الموسيقى، متعلمة العزف على بعض آلاتها. لذا، وعندما قررت الانطلاق في مغناها، مضت إلى إنتاجه منها ليكون خليطياً بإمتياز.


لكن، هذا لا يلغي أن لمَغنى دجين ركائز محددة، وهي الهيب هوب، والسول، والريغي، فضلاً عن الموسيقى الشرقية، بحيث يستند إليها، مقدما اياها بوَصلِها ببعض البعض. فتأخذ دجين الاندفاع في اللفظ من الهيب هوب، والريتم المشكل بالترداد من السول، والمرونة من الريغي، والوسع من الموسيقى الشرقية، قبل أن تربطها جميعها، وفي الغالب من الأحيان، أو بالأحرى الألحان، بايقاع الطبول. طبعا،ً لا يستوي المزج في أغنية بلا صوت دجين، الذي يعرف كيف يحمل كلماته، عابراً بها من ركيزة إلى أخرى من دون أن يتغير كثيراً، بل يبقي على سمته الأساس، وهي أنه يطلع ككتلة واحدة ثم يتشعب من دون فقدانه لتماسكه، الذي يحيله، وحتى في خفوته وبطئه، إلى أنه معدني، وفي الوقت نفسه، رخو.

بهذا الصوت، تعمد دجين إلى تأدية نصوصها، وهي تأدية لا يمكن سوى الاشارة إلى سيمائها الفرنسية، التي تقوم بنوع من الانضباط، الذي يُسمع في كل الاغنيات، ويبرز في كليباتها، أو على منصات حفلاتها. إذ إنه انضباط واصب، ولو ترافق مع تصويت لنص بالغ الحمية أو الاتقاد. فصحيح ان العبارة المفتاحية في قاموس دجين، أو في رطانتها (jargon)، هي "الطاقة"، غير أنها تقلبها، وبفعل اللكنة، ذات الجرس الأفرو-أميركي، والزي بتصميمه وتلوينه، إلى ما يشبه حركة لا وقفة فيها، حركة منضبطة في استمرارها.
 


وهذا، فعليا، ما يظهره إخراج أغنياتها البصري، الذي لطالما كان رئيسياً في عملها، بحيث أنه قريب من كونه "ماغريتي" (نسبة إلى رينيه ماغريت)، يجمع بين انتظام هندسي من جهة، والتدخل بالتخيل لافلات بعض عناصره من جهة أخرى. طبعا، هذا الاخراج "الماغريتي"، الذي يحمل توقيع الثنائي اللامع "غريغ وليو" (ليونيل هيرلي وغريغوري أوريل)، يوفر لمغنى دجين مقلباً بعينه، وهو مقلب جغرافي وجمالي، اي دورانه في فضاء لا يمكن سوى وصفه بالعالمي، لأنه متمدد في كل النواحي، من المتروبول المتعولم إلى غابة من غابات نيجيريا، بالإضافة إلى أنه ينطوي على سمات لا تمت بصلة إلى أي مكان، لأنها تنم عن تجهيز خالص.

في النتيجة، يبدو مغنى دجين أنه، ليس فقط خلاط الموسيقى، بل خلاط النواحي أيضا. فهي، وبهذا المغنى، تستحق لقب فيروز، التي كانت تحب الاستماع إليها في صغرها، وهذا، بعد تعديله من سفيرة النجوم إلى سفيرة البسائط، التي لا تنطلق إليها من بلد محدد، من فرنسا مثلاً، لكن من صوتها. ففي إحدى المقابلات معها، قالت انها، وفي حين كانت تعيش بين البلدان، جعلت صوتها هو موطنها، الذي، ومع الوقت، صار منطلقها إلى كل المواطن.

بطاقة تعريفية
ولدت جاين في تولوز العام 1992، انتقلت مع والديها إلى الكونغو، ثم أبوظبي، حيث نالت البكالوريا، قبل عودتها إلى باريس وشروعها في دارسة الفن. اصدرت حتى اليوم ألبومَين، (zanaka (2015، و(souldier (2018. مؤخراً، افتتحت كأس العالم النسائي في فرنسا بنشيد Gloria. وفي بداية آب، تغني في بعلبك.