من بورنوغرافيا النساء الحوامل إلى دفتر رسومات المراهقة

علاء رشيدي
الأحد   2019/06/23
أضقت الفنانة جانب هزليا على اعمالها

في برلين في العام 2015، اكتشفت الفنانة اليابانية آرين بيربل في محل لبيع أغراض جنسية، ألبوماً من الصور الفوتوغرافية، مصوراً من قبل هواة، يعرض لأجساد نساء حوامل عاريات، تكتب الفنانة: "فوجئت كثيراً، بأن صوراً لنساء حوامل توظف في سوق البضائع الجنسية"، ما صنع عندها الدهشة هو التناقض بين رؤيتها الذاتية للمرأة الحامل والأمومة، وبين الطريقة الجنسية الاستهلاكية التي قدمت بها. ومنذ ذلك الحين، بدأت مخيلة آرين بيربل بالتساؤل عن كيفية تعاطيها كفنانة مع هذه الصور، وكيف بإمكانها التعديل والتحوير عليها لإظهارها بطريقة مغايرة.

 

تكتب الفنانة في بيان معرضها: "لايزال المجتمع الحديث يمارس تمييزاً ضد المرأة، وذلك باللعب على التناقض بين حضورها الدوني، وبين تقديس حضورها الجنسي. هذه الثنائية بين الدونية والقداسة تخدم المجتمع الحديث في شهواته المنحرفة". لم تقاوم آرين بيربل رغبتها كفنانة في التعامل مع هذه الصور الإباحية، لإعادة تقديمها كأعمال فنية بعد عمليات تركيب، لصق، تعديل، وتحويرات. هي تقنيات رقمية قررت تجريبها على الصور الفوتوغرافية الإباحية الأصلية التي اختارت الفنانة أن تكون نقطة انطلاق لمعرض تشكيلي فني، نتج عنها 20 لوحة قدمتها في المعرض، تدمج بين الفوتوغراف والرسم الزيتي، خلقت منها عوالم بصرية وتشكيلية متنوعة.

 

تنوعت العوالم البصرية التشكيلية في أعمال بيربل، وذلك بتنوع المعالجات الرقمية للصور، والرسوم الزيتية المضافة إليها. في العديد من اللوحات نراها تهمش محتوى الصورة الإباحية الأصلية، وتضيف إليها عنصر النباتات والأزهار، هي أولاً تحاول استحضار الطبيعة في هذه اللوحات لربط الحمل والأمومة بالعطاء، وثانياً تضفي على الصور الإباحية جواً من رسومات الأزهار المعروفة في التراث التشكيلي الياباني. نباتات وأزهار مستحضرة من التراث الياباني، كأزهار البحيرات، الأزهار طويلة السوق بالألوان الزاهية، الأزهار النقطية الحمراء الصغيرة، والنباتات الصفراء المائلة الأعناق. كل هذا يضيف إلى اللوحة شعوراً مغايراً للمضمون الإباحي، شعوراً بالفيض، بالخصب، وبالطبيعة الحرة الهائجة.

في إحدى اللوحات تضيف الفنانة إلى صورة المرأة الحامل التي تعرض فرجها، صورةً لإلهة الخصب في الديانات القديمة. تظهر إلهة الخصب وهي في وضعية الولادة أيضاً، حيث ينزل جنين من بين ساقي الإلهة. تفصح الفنانة عن رغبتها بالربط بين صورة المرأة الحامل ومفهوم الخصوبة والعطاء.

 

أسلوب آخر اتبعته الفنانة في تحوير المضمون الجنسي للصور الفوتوغرافية الأصلية، وهي أن تعالجها وتضيف إليها ألواناً وزركشات بحيث تبدو وكأنها رسومات في دفاتر المراهقة الحميمية، دفاتر اليوميات المليئة بمشاعر الحب الوردي المراهق. نجدها في هذا النوع من الصور، ترسم زهوراً ونباتات ملونة، أو ترسم نقوشاً متكررة، أو زخارف صغيرة، لتبدو وكأنها صور من دفتر رسومات مدرسية.

أغلب صور الألبوم الفوتوغرافي التقطت في المنازل، وليس في الإستديوهات، هي مصورة على السرير، وأخرى أمام المرآة في غرف النوم، وأخرى تظهر ثنائيا يستلقي على الكنبة في غرفة الجلوس. مجموعة من الصور أضافت إليها الفنانة ألواناً زيتية دافئة، كالأخضر الباهت، الأزرق، والبنفسجي، ورسمت أشكالاً زخرفية بسيطة تضفي على الصورة الحميمية، أو تظهرها وكأنها صور مستخرجة من ألبوم قديم، فقدت قدرتها على الغواية والإغراء.

تتكرر الرغبة عند الفنانة في الدمج بين صورة النساء العاريات الحوامل، وبين صور أبنية منازل. تريد أن تخرج الصور الأصلية من الإطار الذي قدمت فيه كسلعة تجارية في الصناعة الجنسية، لتدمجها بما تراه تأويلها الشخصي للحمل، وهو العائلة، التي يعبر عنها بصرياً بحضور أبنية المنازل بكثرة في عدد من اللوحات. تقول آرين بيريل: "وفي اختياري العمل على صور إباحية لنساء حوامل، حاولت أن أعيد ربط الحمل والولادة بصرياً وشعورياً بالمفاهيم التي أراها مرتبطة به حقاً"، وعند التأمل في النتيجة النهائية لأعمالها نجد أن المشاعر والأحاسيس التي أرادت بيربل تقديمها تتعلق: بالطبيعة، بالخصب، بالثراء الذي تمثله بنظرها المرأة الحامل، بالبراءة، أو بالعواطف الشفافة، هي العواطف التي تنقلها أعمالها للمتلقي.

ترغب الفنانة بوضوح أن تساعد لوحاتها على امتلاك المتلقي لوعي نقدي، أو عين نقدية، يتأمل فيها تمثيلات جسد المرأة في الصور الإباحية. ترغبه أن يزداد وعياً بالجسد النسائي المصور كسلعة مقدمة للمتلقي، وهذا ما أشار إليه الناقد جون برغر في كتابه "طرق الرؤية" فكتب: "إن موضوع لوحات العري في عصر النهضة قائم على امرأة عارفة بكونها مرئية من قبل أحد المتفرجين، فهي عارية لا بكونها عارية، بل هي عارية لأن المشاهد يراها. لذلك رسمت العديد من النساء يتأملن أنفسهن أمام المرآة، مثل اللوحة تنتورتو (سوزانا)، حيث تنظر سوزانا إلى نفسها في المرآة، وبذلك تشارك المشاهدين النظر إلى نفسها".

 

  يبين جون برغر أن لوحات العري في فن التصوير الزيتي الأوروبي، لا يصور العري، بل يصور ما هو شهواني بالنسبة للناظر إلى اللوحة، فيكتب: "كل شيء في اللوحة موجه له، وكل ما يظهر فيها هو نتيجة لحضوره أمامها. من أجله تصنعت النساء المرسومة العري. أما هو بالتحديد فغريب خارج اللوحة لا زالت ثيابه عليه" ويعطي مثالاً  لوحة "حكاية الزمان والحب" لبرونزينو.

هذا العري في الصور الفوتوغرافية للنساء حوامل، هو ما أرادت آرين بيربل التعامل معه في معرضها الحالي. فأظهرت تجربتها الفنية أن وضع الصور الإباحية في غير سياقها، يحررها من ميزتها الإباحية الحتمية، بإتجاه النظر إليها كعمل فني، والتعامل معها بالتقنيات البصرية والتشكيلية قد يحولها للوحة تمتلك عوالم جمالية أكثر خصوصية.

أسلوب آخر نشير إليه وظفته الفنانة في تحوير محتوى الصور الإباحية، وهو أن تمنح الصور طابعاً هزلياً. في مونتاج الصور كررت أجساداً بعشوائية، وضعت أجساداً فوق بعضها البعض، ورسمت على أجساد أخرى رسومات طفولية. كما أننا نلمح في أكثر من لوحة، رغبتها بإقحام أقنعة مضحكة بألوان صفراء أو خضراء، أقنعة مبالغة، أو وجوه باسمة من التي تستعمل في وسائل التواصل الإجتماعي. كأنها تريد أن تضفي على هذه الصور المغرقة في الجدية، جانباً هزلياً من الخفة والمرح.


(*) يستمر المعرض في غاليري ( آرت لاب Art Lab) بيروت، حتى 29 / حزيران / 2019.