المجزرة الأسدية في حماه بين العظم وتيزيني

المدن - ثقافة
الأربعاء   2019/05/22
(*) أقوم حاليًّا ﺑ(إعادة) قراءة بعض نصوص طيب تيزيني، في إطار التحضير لكتابة نص أو أكثر عنه وفي إطار التحضير للمشاركة في ندوة مشتركة مع بعض الأصدقاء تنظمها مؤسسة مسار والصديق عماد الظواهرة. وقد زادت قوة قناعتي المبدئية بوجوب التأني كثيرًا في شيطنته كما فعل "عماد الدين (غير) الرشيد" مثلًا، وفي ملأكته، كما فعل آخرون كثر.

أميل الآن إلى قراءة فكر تيزيني، بوصفه مفكرًا وأستاذًا جامعيًّا وصاحب مواقف سياسية وأيديولوجية، من خلال مفاهيم الاستمرارية والوسطية والتوفيقية والإصلاحية المناهضة لمفاهيم القطيعة والتطرف والثورية والجذرية. وسأشرح هذه القراءة المقترحة قريبًا.
أود الإشارة إلى دهشتي من الغياب الكامل لأحداث حماه والمواجهة بين الأسدية البعثية مع الإخوان المسلمين عمومًا ومجزرة حماه خصوصًا، من نصوص تيزيني. والغريب أنه، في مقدمة كتابه "من يهوه إلى الله"، الصادر العام 1982، يكتب عن "أحداث بيروت العام 1982" بوصفها مرحلة مفصلية، ما بعدها يختلف كثيرًا عما قبلها، من دون أن يأتي على ذكر "أحداث حماه 1982" وما قبلها وما بعدها.

من المعروف أن وحشية النظام الأسدي آنذاك أخرست جل المثقفين وغير المثقفين. وفيما يشبه الاعتذار والندم والنقد الذاتي، أبدى صادق جلال العظم أسفه لاحقًا وندمه على سكوت السوريين على مجزرة حماه وعلى الاعتقال التعسفي والتعذيب. فهل فعل طيب تيزيني ما يشبه ذلك؟ يبدو ذلك مستبعداً كثيرًا، بل يبدو أن موقف تيزيني حينذاك لم يقتصر على السكوت بل امتد إلى تأييد السلطة الأسدية، في هذه المواجهة، على الرغم من مجازرها، كما يشير مقال محمد سيد رصاص المنشور اليوم في الحياة، حيث جاء فيه:
وخلال الأحداث السورية 1979-1982، التي حصل فيها صدام مسلح بين السلطة السورية و(جماعة "الإخوان المسلمين")، كان الدكتور تيزيني من المنظرين البارزين للسلطة السورية ضد "الإسلام السياسي".
...........................
فهل لدى أحد الأصدقاء (أو الأعداء) معلومات "أخرى" عن موقف تيزيني أو نصوصه في هذا الخصوص؟
سأضع في ما يلي ما قاله، في هذا الخصوص، صادق جلال العظم، العام 2011، في حوار منشورٍ في "النهار" وموجود في موقع "الحوار المتمدن"، تحت عنوان: "الثورات الراهنة تقطع مع الأنظمة العربية المستبدة":
لدى جيلي مثلاً تكرست عقدة النقص. كيف تحملنا وكيف قبلنا العيش تحت سلطة كهذه توهمنا بأن زوالها يعني انعدام الأمن، وهي في الواقع جعلتنا نشعر دائماً بعدم الأمان. فأيّ شخص يمكن في أي لحظة أن يلتحق بركب آلاف المفقودين والرازحين تحت التعذيب. كيف تحملنا ذلك؟ الثورة كسرت حاجز الخوف لدينا والآن نراجع أنفسنا على ضوء تجربتنا كيف تكيفنا مع ذلك الوضع الذي أوصل السوريين إلى هذا الحد. نشعر بالذنب لأنّنا سكتنا على حماه سورية وعلى الاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون. ربيع دمشق مرّ على رغم أن الآمال علقت عليه لفتح المجال أمام إصلاح سياسي عادل. سكتنا وابتلعنا التوريث، وهذا الدم الذي يسيل لربما يكفّر عن صمت السوريين إزاء كل ما ذكرت.

(*) مدونة كتبها حسام الدين درويش في صفحته الفايسبوكية.