علي الديك

رشا الأطرش
الخميس   2019/03/28
تبدو حمّالة أوجه، تلك المشادة الأخيرة التي احتوتها قناة "إم تي في"، بين الإعلامي سلام الزعتري والمغني السوري علي الديك، باسترضاء الديك وتقريباً التوسل إليه كي لا يغادر البرنامج الترفيهي، في مقابل انسحاب الزعتري من الحلقة بلا كثير جلبة.

الكلام عن ميل لبناني للتطبيع بل وإعادة التعاون مع نظام بشار الأسد، بدأ يطغى ويتمدد، في السياسة والاقتصاد والإعلام. وخريطة الإعلام اللبناني، يُعاد التموضع الطائفي والحزبي في جنباتها، وهو مشهد تنطبق فجاجته أكثر ما تنطبق على "إم تي في"، التي لا تعود ملكيتها المباشرة إلى حزب أو زعيم سياسي، كما هو حال "أو تي في" أو "المنار" أو "المستقبل". كانت "إم تي في"، ذات يوم، صوتاً مسيحياً معبّراً عن تيار أوسع عُرف بـ"14 آذار"، لتصبح اليوم المسيحية الشعبوية في السياسة، والمسيحية النخبوية في الإعلانات بمعيار "القدرة الشرائية" التي لم يخجل رئيس مجلس الإدارة ميشال المر من الإشارة إليها في وصف جمهور تلفزيونه.

مفهوم. لكن، بعد هذا وذاك، يصعد المُعطى الطبقي والسلطوي، الذي غالباً ما تحجب المعايير أعلاه وجهَه الفظّ، لكنه يبقى موجوداً وفاعلاً.

وكما في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية السياسية، كذلك في البرامج الاجتماعية والترفيهية، فإن السوريين، شأنهم شأن كل الفئات التي يتم تعليبها من أجل المُنتج التلفزيوني، ينقسمون بين فقير ولاجئ وقليل الحيلة، وبين متنفّذ وصاحب سلطة. الأول، ستستمر شيطنته التي "برعت" فيها "إم تي في"، في البرامج الساخرة وفي التقارير "الرصينة" سواء بسواء. والثاني، ستحترمه القناة كممثل للشعب السوري "الذي نحب"، وستسعى كي لا تزعجه ولو جُملة واحدة قالها الزعتري عن أن "نظام الأسد باع الجولان".

وعلي الديك، الذي توسّلت "إم تي في" رضاه، ليس مجرد مغنٍّ سوري "شعبي"، أغانيه رائجة في لبنان كما في سوريا، وله تأثير كبير في "رايتنغ" الحلقة التي تستضيفه والإعلانات التي تستجلبها. الديك أيضاً، أحد أبرز ممثلي نظام الأسد، طائفياً ومناطقياً، وهو ذو صلات مباشرة بأزلامه. الديك، مغني "الرعويات" أو ما اعتاد السوريون تسميته، منذ مطلع الألفية الثالثة، بـ"أغاني الكراجات". وهي الأغاني التي تحولت إلى "نوع"، بل لعلها إحدى أهم سمات الثقافة السائدة التي طَبعت عهد بشار الأسد وطُبعت به، وتسللت إلى لبنان عبر "سمرا واني الحاصودي"، مع النظام الأمني اللبناني – السوري المشترك و"وحدة المسار والمصير". وعندما نقول عهد بشار، فإننا نتحدث عن عهد "الانفتاح" والبزنس والمقاولات، والشكل الأوضح -بلا رتوش ولا استحياء- لترييف الدولة السورية وتطييفها.

كان حافظ الأسد بعثياً. ولعله كان يقيس نفسه بمسطرة جمال عبد الناصر. وكما كان للأخير أمّ كلثوم وعبد الحليم، وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودي.. كتب للأسد الأب، محمد مهدي الجواهري، وغنّته ميادة الحناوي، وأصالة نصري من الجيل الجديد آنذاك.
بيد أن علي الديك هو فن بشار الأسد ومرحلته الثقافية.

هكذا، تجتمع في مُغنّي السرافيس، ضيفاً على "إم تي في"، عناصر المال والسلطة والهيمنة "الثقافية". وإذا ما نحَّينا السياسة والطائفة جانباً، لوهلة، من أجل استكشاف الصورة الأكبر، لتبيّن كم هو "طبيعي" ومتوقع تعاطي "إم تي في" مع هذا الديك. وتعليق الزعتري، هو الذي لم يكن في الحسبان، وهو الذي وجب كنسَه تحت السجادة بسرعة. بل لعل الزعتري نفسه سعى إلى ذلك.