رجع العدل إلى المداخل

أسعد قطّان
الأربعاء   2019/11/20
اعتصام وسط بيروت لمنع انعقاد جلسة مجلس النواب (مصطفى جمال الدين)
في ذكرى مرور شهر على انتفاضة الأحرار في لبنان، رجع العدل إلى المداخل. رجع العدل إلى مداخل البرلمان، حين أقفل ثوّار لبنان الآتون من كلّ حدب وصوب، من ذلّ الفقر ومن مهانة الجوع، أقفلوا شوارع المدينة المؤدّيّة إلى مقرّ المجلس النيابيّ ومنعوا النوّاب من الوصول إلى الجلسة المشؤومة. منعوا الذين حضروا، ومنعوا الذين آلوا أن يلازموا بيوتهم لئلاّ يلحق بهم الهزء، وتلحق بهم الشماتة، وتلحق بهم الهزيمة. لقد لقّن الناس، الذين يتحالفون مع الشوارع منذ شهر، نوّاب الأمّة، درساً قاسياً وبيّنوا لهم، باللحم الحيّ والمتاريس البشريّة، كيف يسحب شعب الشرعيّة من نوّابه المنتخبين وفق قانون انتخاب طائفيّ، فئويّ، فصّله السماسرة على قياس سمسراتهم، وخاطه اللصوص على قياس لصوصيّتهم.

هل المسألة هي مجرّد منع النوّاب من التصويت على قانون عفو يتخوّف الناس من أن يحتمي به الذين نهبوا خيرات البلد وامتهنوا كرامات البشر؟ طبعاً لا. والذين يروّجون لنظريّة أنّ الناس بتصويبهم على النوّاب يمنعونهم من إقرار قوانين إصلاحيّة، هم إمّا سذّج وإمّا يراهنون على أنّ الناس سذّج. فالمسألة ليست إقرار قانون أو عدم إقراره، بل المسألة، كلّ المسألة، هي أنّ الشعب في نظامنا الديموقراطيّ هو مصدر السلطات. وهو اليوم يعي نفسه كذلك ويريد نفسه كذلك. وثورة صبايا لبنان وشبابه تستعيد هذا النظام الديموقراطيّ وتعيد خلقه من جديد وترسّخه يوماً بعد يوم. وبموجب الديموقراطيّة، هذه المفردة اليونانيّة الفذّة التي تعني "حكم الشعب"، سحب الشعب الشرعيّة من نوّابه، وهو يدعوهم اليوم إلى الاستقالة والرحيل. وكلّ نائب لا يقدم على هذا القرار "اليوم اليوم وليس غداً"، يفتقر إلى احترامه لذاته وللشعب، ويفتقر  إلى المناقبيّة والأخلاق التي يجب أن تتوافر في حرّاس الدستور.

أليس ثمّة شرفاء في الندوة البرلمانيّة؟ طبعاً ثمّة شرفاء. لكنّ هؤلاء فقدوا صدقيّتهم حين قرّروا أن يبتلعوا أصواتهم ويتحوّلوا إلى أخيلة صحراء تتلطّى وراء حسابات الكتل وتحالفاتها وجشع أسيادها وتضوّرهم في سبيل السلطة. لقد فوّت هؤلاء الشرفاء على ذاتهم فرصة أن يكونوا صوت الحقّ. ولم يبقَ لهم اليوم سوى أن يعلنوا توبتهم ويرفعوا استقالتهم، لا إلى رئاسة المجلس أو إلى كتلهم، بل إلى الشعب أوّلاً وإلى الشعب أخيراً، عسى الناس يحترمونهم ويعيدون إليهم اعتبارهم.

في 19 تشرين الثاني، قبل ثلاثة أيّام من ذكرى استقلال لبنان، رجع العدل إلى مداخل البرلمان على أيدي شعب يمعن في الثورة، لأنّ ممثّلي الشعب فشلوا في أن يكونوا صوت الناس... وفشلوا في إحقاق العدل.