"فوضى".. فلسطينيون في مسلسل عدو

راشد عيسى
السبت   2018/09/22
نصف عدد الممثلين في المسلسل (الذين لعبوا أدوار الفلسطينيين) هم من العرب
لا يحتاج المرء إلى كثير من التدقيق لتحديد توجّه المسلسل الإسرائيلي "فوضى"، الذي ظهر الجزء الثاني منه هذا العام في "نتفليكس"، ما دام كاتباه (ليور راز وآفي إيشاروف، وهما قد عملا من قبل مقاتليْن في وحدات المستعربين) يعترفان بوجهة العمل، إذ يقول راز: "إن السرد صهيوني، أنا صهيوني وإسرائيلي ولا أستطيع التهرب من ذلك". أما إيشاروف فيؤكد: "من الطبيعي أن أكون ميالاً لوجهة النظر الإسرائيلية".

ومع ذلك ستجد أن نصف عدد الممثلين في المسلسل (أولئك الذين لعبوا أدوار الفلسطينيين) هم من العرب (من بينهم اللبنانية المقيمة في فرنسا ليتيسيا عيدو)، وكما يعرض وثائقي قدمته "بي بي سي" على شاشتها منذ شهور، سنجد أن هؤلاء لديهم مسوغاتهم، ولا يبدو في كلامهم أي أثر للتراجع، أو الإحساس بأنهم خدعوا بالسيناريو وخلافه. إنهم يتبنّون الفيلم، رغم كل ما أثاره من جدل في الشارع الفلسطيني، بل ظهروا كمن عثر على صيد ثمين، فالمسلسل حقق لهم من النجومية كما لم يحلموا من قبل.

الممثل هشام سليمان، الذي أدى دور قائد للجناح العسكري في "حماس" في الجزء الأول من العمل، ظهر في الوثائقي محاطاً بالمعجبين والمعجبات من الإسرائيليين الذين تراكضوا للإحاطة به، وكما يفعل كبار النجوم راح يلتقط  معهم الصور بفرح غامر. وهو يحكي كيف ركض نحوه يهودي صارخاً من بعيد "أبو أحمااااااد.. (اسم شخصيته في المسلسل) أنا بحبك". 
ليس من السهل أن يتخلى نجم عن كل تلك الأضواء، وربما من الأسهل العثور على مبررات، فهذه غير مكلفة بالمرة، وثمة دائماً كيّال أعور، سيجد المخارج المناسبة، والعناوين اللازمة، كالمحبة والتسامح والسلام والتعايش، أي أن المهادن سيفوز مرتين، مرة بالأضواء وتوابعها، ومرة ثانية بصورة المحب، المحارب من أجل السلام.

بعض سكان بلدة كفر قاسم (وهو اسم مشهور بسبب مجزرة ارتكبتها اسرائيل هناك العام 1956) قدموا أدوراً هامشية في "فوضى". وهنا يعلق المخرج "نصوّر عادة في مدن عربية ونادراً ما نشعر بعدم الترحيب". هذا ما يؤكده مختار البلدة في الوثائقي، متحدثاً عن الدخل الذي حققه المسلسل لأهلها، "كثار بيتسبّبوا من هذا الشيء، العمال أصحاب البيوت، الحوانيت، بعدين فش إشي غلط، كله عن الواقع".


وحدهن النساء يشعرن بالحياء من المشاركة، فتستعين الشركة المنتجة بموظفاتها ليرتدين ملابس عربية. ولا تتردد هاتيك الموظفات، بالحديث لوثائقي "بي بي سي"، وأثناء ارتداء ملابس النساء العربيات، في هجاء تلك الأَردِية، حيث يصفنها بـ"الأقل أنوثة"، و"تعيق الحركة"، و"تشبه لباس المتطرفين اليهود".

لكن رجحان كفّة القبول للعمل في مسلسل يروج أكاذيب إسرائيلية لا يعني أن هناك من لم يرفض. يروي معلق الفيلم الوثائقي "ليس كل عرب إسرائيل راضين عن المسلسل والصورة التي يقدمها". وهنا يتحدث عن الممثلة سلوى نقارة التي رفضت دوراً عرض عليها في الجزء الأول. 

نقارة تشرح لـ"بي بي سي" أسبابها: "إذا أنا بعمل مسلسل عن الاحتلال، ولا تثار قضية أنه لا يوجد له حق في الوجود في هذا المكان أصلاً، معناها أنا أخدم فكر عدوي".

لكن الممثل هشام سليمان يعود إلى القول "أحترم قرار سلوى وغيرها ممن رفضوا العمل، لكن لا هي ولا غيرها يقدر أن يقول شو الصح وشو الغلط. موضوع القضية الفلسطينية مركب جداً، ومش أسود وأبيض".

الممثل شادي مرعي (شخصية وليد في المسلسل) يذهب أبعد وأوضح من زميله "أنت أداة بتعمل شغلك. في إلك عمل واضح في هذا المسلسل، بل في أي مسلسل تمثل فيه. إذا إنت مش كاتب المسلسل فليس لديك أي تأثير فيه".

"الممثل ليس سوى أداة"، لطالما سمعنا هذا الوصف من ممثلين عرباً، في محاولة لتبرير عمل الممثل في مسلسل قد يكون ضد قناعاتهم. وبالطبع فإن العمل الدرامي الإبداعي هو وجهة نظر المخرج بشكل أساسي، ولكن من قال إن من البديهي أن يخدم الممثل مسلسلاً قد يكون موجهاً ضده هو بالذات، وضد حقوق شعبه.

الغريب أن وصف الممثل بالأداة يتناقض مع المكانة التي يشغلها نجوم التمثيل في العالم العربي، فغالباً ستكون لهم الحظوة على الشاشات، وكذلك في الندوات واللقاءات والأسفار،.. إنهم يعطون مكانة النخبة وقادة الرأي، لكن في الواقع ستجد أن معظمهم، عندما يتعلق الأمر بالمواقف التي قد تعرضهم لخسارة ما، سيتهافتون بالسرعة نفسها إلى دور "الأداة".